ما الفارق بين «عزيزى بيريز» وزيارة شكرى لإسرائيل؟.. أما «عزيزى وصديقى العظيم» فكانت بداية الخطاب الذى أرسله المعزول محمد مرسى إلى رئيس إسرائيل السابق شيمون بيريز فى 19 يوليو 2012 لاعتماد ترشيح السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل، ليكون سفيرا فوق العادة، ومفوضا من مصر لدى تل أبيب، وهو الخطاب الذى أنهاه مرسى بعبارة «صديقكم الوفى.. محمد مرسى» التى أحدثت جدلا كبيرا فى الأوساط السياسية والمصرية فى حينها، خاصة بعدما نفت رئاسة الجمهورية فى حينها صحة هذا الخطاب، وحينما نشرت تل أبيب صورة منه فى وسائل إعلامها، لم تجد رئاسة مرسى من حل سوى الاعتراف بصحة الخطاب، لكنها وصفته بالإجراء البروتوكولى.
تخيلوا أن من فعلوا ذلك ومن دافعوا عن موقف مرسى وقتها هم من يهاجمون الآن زيارة وزير الخارجية سامح شكرى لإسرائيل، الأحد الماضى، فى إطار التحركات والمساعى المصرية لإحلال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.. تخيلوا أن من رحبوا باتفاقية التطبيع التى أجرتها السلطات التركية مع إسرائيل هم من يهاجمون زيارة شكرى ويعتبرونها خنجرا قتلت به مصر الفلسطينيين.. تخيلوا أن الإخوان ومرتزقتهم هم من يتحدثون الآن عن إسرائيل؟
الأمر بالنسبة لى لا يتعلق بالمكايدة السياسية، أو بفكرة أنت فعلت فلماذا تحدثنى عما أفعله الآن، لأن القضية أكبر من المكايدة، فهى تتعلق بسياسة دولة مقابل منهج جماعة.. دولة لا تهرب من التزاماتها ولا تخفى تحركاتها، مقابل جماعة كانت ولاتزال تتنفس كذبا.. أتحدث عن دولة كبيرة اسمها مصر لم تظهر أبدا بسياستين، لأن سياستها سواء الداخلية أو الخارجية واحدة تستهدف إعلاء المصالح المصرية، والعمل على خدمتها، والحفاظ على الأمن القومى العربى والإقليمى، بينما آخرون يروجون لأفكار جماعة لا تعترف إلا بمصالح قياداتها فقط، فإن وجدتها مع الشيطان تحالفت معه.. جماعة تقول فى كل أدبياتها إن إسرائيل هى العدو، لكن حينما اقتضت مصلحة المرشد وأتباعه التواصل مع إسرائيل تواصلوا معها سرا، وحينما افتضح أمرهم حاولوا التهرب بأكثر من طريقة، تماما كما يحاول السلفيون الآن التهرب من المأزق الذى وقعوا فيه بعد الكشف عن لقاء القيادى السلفى نادر بكار بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى، فالسلفيون كعادتهم نفوا اللقاء دون التأكد من صحة أو كذب المعلومة، وصبوا غضبهم على «اليوم السابع» تحديدا، لأنها كشفت تفاصيل هذا اللقاء، وحينما أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية لقاء بكار وليفنى توارت القيادات السلفية حلف الستار حتى تهدأ العاصفة، معتمدين على مقولة «آفة حارتنا النسيان».
بكل تأكيد فإن زيارة سامح شكرى، وزير خارجية مصر، لإسرائيل الأحد الماضى كانت معلومة ومعروفة للجميع، وقبل أن تبدأ أعلنتها وزارة الخارجية، فى بيان رسمى، حددت فيه الهدف منها واللقاءات التى سيجريها شكرى، ولم تترك شيئا للتكهنات أو للتفسيرات المطاطية، لأنه لا شىء فى الزيارة يخيف الدولة حتى تتكتم عليها، فمصر دولة محورية فى المنطقة وتقوم بأدوار يشهد بها الجميع، وليس من شيم الدول الكبرى أن تخفى علاقاتها مع الآخرين حتى وإن غضب البعض.
لقد تابعت ردود أفعال الكثيرين على زيارة شكرى، منهم من رحب، وآخر تحفظ، وثالث رفض، لكن أكثر ما لفت انتباهى هى الازدواجية التى تعامل بها البعض مع الزيارة، فهم يتحدثون عن ضرورة أن يكون لمصر دور فى الإقليم وتحديدا فى حل القضية الفلسطينية، وحينما تتحرك مصر وتبدأ فى التواصل مع كل الأطراف المعنية محاولة التوصل إلى حل، تجدهم منتقدين للتحرك المصرى، بل زادوا على ذلك حينما رأينا مرتزقة الإخوان يستخدمون كل فنون التزييف والكذب للهجوم على الدولة المصرية ووصفها بأنها دولة مطبعة، وأنها خانت الفلسطينيين، والكثير من الأوصاف التى ملأت وسائل التواصل الاجتماعى، والهدف منها واضح وهو تأليب الرأى العام المصرى على الدولة، والغريب أن هناك قوى تعتبر نفسها «مدنية» سارت مع الإخوان فى هذا الطريق رغم يقينهم بأنهم مخطئون، ليس لأنهم رفضوا زيارة شكرى لإسرائيل، لكن لأنهم لا يتحسسون مواطئ أقدامهم.
باختصار شديد، هناك فارق كبير بين زيارة شكرى لإسرائيل، وبين علاقة الإخوان بإسرائيل الموثقة بخطاب «عزيزى بيريز»، فارق يكشف الهوة الشاسعة بين دولة لا تخفى التزاماتها، بل تحترمها، وبين جماعة تهوى العمل السرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة