عن الجاهلية العلمية فى البرلمان
ليست هذه أزمة سياسية فحسب وإنما أزمة علمية أيضا، فالنائب أحمد الطحاوى الذى دعا إلى الإلقاء بمقترح وزير الصحة بتشديد العقوبة لمن يجرون عملية الختان لا يمكن اعتباره جاهلا، ولا يمكن أن نلتمس له العذر بالجهل، فهو وبحسب تعريفه الرسمى أستاذ «طب» بجامعة الزقازيق، وبحسب تعريفه السياسى فهو نائب عن الشعب وعضو بلجنة الصحة بالبرلمان، أى أنه عضو باللجنة المكلفة شعبيا ورسميا بمراجعة القوانين واقتراحها ومناقشتها بل والتوصية بإصدارها أيtضا، فهو أيضا بحسب التعريف الدينى يعد من «ولاة الأمر» الذين يقومون على شؤون الرعية ليقرروا ما فى صالحها ويقاوموا ما يضرها، وهنا تحضرنى المقولة القائلة: «يا علماء الأمة يا ملح البلد.. من يصلح الملح إذا الملح فسد؟»
نعم هذا ملح فاسد، فالطبيب الذى يعلم الطب عارض مسألة تشديد العقوبة على من يقومون بختان الأنثى، بل عارض وجود العقوبة من أساسها، ليعيدنا بهذا الرأى إلى الجاهلية العلمية التى لا تعترف بالرأى العلمى ولا تقيم وزنا للحياة الآدمية، بل دعا هذا النائب الطبيب إلى ترك رأى وزير الصحة، أستاذ الطب والعميد السابق لكلية طب جامعة عين شمس، وسؤال علماء الدين عن مسألة الختان وأصلها وفصلها، ثم عاد وقال إن ترك الأنثى بلا ختان يؤدى إلى إثارة جنسية غير مرغوب فيها، وكأن الإثارة الجنسية نفسها رجس من عمل الشيطان وليست من عمل الله لضمان حدوث التزاوج وضمان الإقبال على الجماع وضمان تجديد الرغبة وإمتاع الروح والجسد.
هذا ملح فاسد، يفسد الزرع فى الكليات التى يقوم بالتدريس فيها، ويفسد الزرع فى المجلس الذى يشرع فيه، وإنى لأعجب كيف يحتقر هذا الطبيب الطب إلى هذه الدرجة، وكيف يلقى بكل ما تعلمه فى صندوق القمامة ويعيدنا إلى عهود الحكم الدينى فى دولة يفترض أنها ثارت على ممثليه، بل والأهم من هذا أيضا أنه يجهل بعشرات الفتاوى التى أقرت بعدم وجوب الختان، والتى ذهب بعضها إلى التشديد على منعه، كما أنه فى الأساس يجهل أبسط قواعد المنطق التى تقول، إن الله خلق الإنسان فى أحسن تقويم، فكيف يخلق الله الإنسان «كاملا» ونأتى نحن لنقصّ منه قطعة؟
تدلنا تصريحات هذا النائب ضمن ما تدلنا على أنه أيضا يجهل تمام الجهل بحكمة وغرض الأحاديث النبوية، فيدعى أن حديث «إذا التقى الختانان وجب الغسل» على أنه أمر بالختن فى حين أنه أمر بالطهارة، والمقصود هنا بكلمة «الختانان» الموضع وليس الفعل ويقول العرب «إن فلانا برئ ختانه» أى تطهر بشره من السوء، كما أنه فى استشهاده بحديث «اخفضى ولا تنهكى» ينسى أن الرسول أكمل الحديث بالقول «فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج» أى أن الرسول يعدد فوائد الجزء الذى يتم قطعه ولو أن هناك من يعقلون لأدركوا أن الرسول بهذا الحديث إنما أراد تحريم عملية القطع ذاتها، أو أنه أمر بتخفيفها تمهيدا لتحريمها، لكن للأسف غاب العقل عن أهل العقل، وامتد الجهل إلى من يفترض فيهم محاربة الجهل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.