بعيدا عن الفتاوى الدينية، وبعيدا عن الحلال والحرام، وبعيدا عن كون البعض يراها قضية جانبية لا يجب الانشغال بها، لأن هناك قضايا أكثر خطورة وأكثر تأثيرا على المواطن المصرى، لكن من حقنا أن نسأل: لماذا لا يحب المصريون الخطبة المكتوبة، ولماذا يرونها تقليدا للآخرين، ولماذا لا يفضلها أئمة المساجد ويعتبرونها تقليلا من معرفتهم ومن دورهم، ولماذا يصر عليها وزير الأوقاف ويرى أنها تمنح فرصة أفضل لحسن الأداء؟ أسئلة كثيرة يثيرها ذلك الموضوع الذى يرى البعض أنه مرحلة جديدة من خطة متفق عليها بعد الأذان الموحد والخطبة الموحدة، بينما يرى آخرون أنها جاءت عفو خاطر الوزير.
قديما فى القرى كان الناس يعتبرون خطباء المساجد الذين يقرأون من ورقة قليلى العلم من التلامذة الذين لا يزالون يدرسون فى مدارسهم وجامعاتهم واضطرتهم الظروف أو الرغبة فى أن يصبحوا أئمة، فكانوا يكتبون ما سيقولونه حتى لا يرتبكون أمام الناس أو كانوا يحصلون على كتب الخطب المنبرية وكتب للشيخ كشك، حتى إن بعضهم كان يقرأ كتب عبد الحميد كشك بطريقة الشيخ نفسه، وفى هذا الوقت لم يكن أحد من أهل القرى ينتظر أن يعرف شيئاً من شاب يضع عينيه طوال الوقت فى ورقة ويقرأ، لكنهم كانوا يعذرونهم لكونهم شبابا صغارا، لكن، الآن، الأئمة الكبار وخريجى المعاهد الأزهرية ليس لهم أى عذر حتى يفعلوا ذلك.
الغريب أن العالم كله يسعى للتعلم من النظريات العلمية فى تجديد الخطاب، والتعرف على نظريات التواصل الحديثة والتأثيرات فى الحوار، والمعروف أن المشاركة وحركة الجسم والعينين والتوقف والتبسيط ولغة الحوار كل ذلك من أساليب هذه النظريات التى ترفع درجة الوعى لدى الجمهور وتجعله متأكدا أن الموضوع يخصه، لذا على وزير الأوقاف أن يشرح لنا ما الغاية المرجوة من التنازل عن كل ذلك وقطع وسيلة التواصل بين الخطيب الذى يتلو ويتلو ويتلو واضعا عينيه فى ورقة يخشى أن ينسى سطراً منها أو أن ينطق كلمة خطأ، وليس مطلوبا منه أن يعيد شيئا أو يكرره أو يتوقف لشرحه لو أحس بأنه غامض على الناس، ومن ناحية أخرى يجلس المصلى فى انتظار إقامة الصلاة.
هل فكر وزير الأوقاف فى أهل القرى من آبائنا وأجدادنا الذين يملأون المساجد فى انتظار خطبة مبسطة تضرب الأمثال من حياتهم البسيطة ومن تاريخهم الكبير حتى يشعروا بأنهم جزء مما يحدث فى هذه الحياة؟ ما الذى سيعود عليهم من رجل يقف على منبر ويقرأ ويقرأ لغة فصحى وعن عالم هم تقريبا لا يعرفونه؟
الخطبة المكتوبة تريد أن تضع الإمام فى جزيرة منعزلة والمصلين فى جزيرة أخرى، وتقطع كل علاقات التواصل بين الفريقين، وهذا أمر غير فعال بالمرة؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة