هذه باختصار قصة الأربعينيى عماد يوسف، وهو واحد من آلاف المعاقين حركيا الذين لا يوجد حصر دقيق بعددهم من قبل مؤسسات الدولة، ويعتمدون بشكل رئيسى فى حركتهم على الأطراف الصناعية، بديلا لأطرافهم المفقودة، منهم من يحصل عليها عبر منافذ رسمية، وآخرون يقودهم حظهم العاثر فيقعون فريسة لورش «بير السلم» التى تعمل دون علم الجهات المختصة، والممثلة فى هيئة التنمية الصناعية المكلفة بمنح التراخيص للمنشآت العاملة فى هذا المجال.
فى هذا التحقيق الاستقصائى تكشف «اليوم السابع» عن العشوائية التى تسود إنتاج الأجهزة التعويضية فى مصر من قبل ورش «بير السلم» التى تستغل عدم وجود مواصفات قياسية لإنتاج تلك الأجهزة من قبل هيئة المواصفات والجودة، وكذلك عدم وجود جهة معنية مختصة بالإشراف على جميع مراحل التصنيع، مما يسفر عن إنتاج أجهزة تُحدث أضرارا بالغة للمرضى، تبدأ بالتهابات، وتنتهى بإجراء عمليات بتر إضافية، وفقا لما ذكره الدكتور عادل العدوى، أستاذ جراحة العظام بكلية الطب بجامعة عين شمس، وزير الصحة الأسبق.
ويكشف التحقيق أيضًا عن مفاجأة، وهى أن هيئة التأمين الصحى، وهى واحدة من أكبر المؤسسات العلاجية فى مصر، والمسئولة عن رعاية 40919 معاقا حركيا بتكلفة 474 مليونا و252 ألف جنيه خلال 2016، تقع فريسة لهذه الورش، حيث خاضت «اليوم السابع» كل مراحل إنتاج طرف صناعى «فوق الركبة» فى إحدى الورش بمنطقة عابدين المشهورة بتجارة الأجهزة التعويضية، وتضم 8 ورش لإنتاجها، وبعدها تم تقييم مدى جودة الجهاز فى وحدة الأطراف الصناعية بكلية العلاج الطبيعى، والتى أفادت فى تقرير لها بأن الجهاز غير صالح للاستخدام، نظرا لوجود عيوب كثيرة فيه، وذلك بعد مطابقته بالمواصفات القياسية العالمية، وفى المرحلة الأخيرة تم عرض الطرف نفسه على مسؤول الدعم الفنى بهيئة التأمين الصحى الذى لم يستطع اكتشاف هذه العيوب، بل أبدى إعجابه بالجهاز بعد عرضه عليه، نظرا لثمنه الزهيد.
بداية دخول مصر مجال تصنيع الأجهزة التعويضية:
قبل الدخول فى التحقيق تجدر الإشارة إلى بداية دخول مصر مجال تصنيع الأجهزة التعويضية، والذى جاء فى إطار رعايتها لمصابى الحروب المختلفة التى خاضتها على مدى التاريخ، حتى ظهرت المراكز المتخصصة فى هذا النوع من الصناعات بقرار من القائمين على الدولة، مثل مركز تأهيل العجوزة، والوفاء والأمل، وبإشراف مجموعة من المتخصصين المهرة، خريجى كليات العلاج الطبيعى، والهندسة، وبمرور الوقت ومع التطور التكنولوجى، وزيادة أعداد المصابين، أصبحت مصر غير قادرة على تغطية احتياجات جميع أبنائها المرضى، ولم يستطع القائمون على الصناعة مواكبة التكنولوجيا الحديثة، فجاءت عمليات استيراد الأطراف من الخارج، وفى المقابل دخلت سوق الإنتاج عمالة غير مدربة، مستغلة عدم وجود مواصفات قياسية مصرية تتم بناء عليها عملية التصنيع، وفقا لما ذكره الدكتور عادل العدوى، رئيس الجمعية المصرية لجراحة العظام سابقا، لافتا إلى أهمية الأجهزة التعويضية، وقدرتها على إعادة الإنسان لحياته الطبيعية، شريطة أن تُنتج على أيدى مجموعة مؤهلة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وتشمل كلا من: طبيب عظام، وأخصائى علاج طبيعى، ومهندس أجهزة تعويضية، وأخيرا الفنى الذى يقوم بعملية التصنيع بعد الرجوع للأطراف السابقة.
وفى أوائل التسعينيات من القرن الماضى تم تخصيص شعبة للأطراف الصناعية بالمعهد الفنى الصحى، ولكن فوجئ القائمون عليها بقرار إغلاقها دون سابق إنذار عام 1997، على الرغم من أهميتها البالغة فى تخريج دفعات متخصصة فى إنتاج الأطراف الصناعية من طلاب المدارس الثانوية الفنية، والثانوية العامة، شعبة علمى علوم، وفقا لما ذكره أيمن عامر، عضو مجلس إدارة الاتحاد العربى للأطراف الصناعية، ممثل مصر فى الجمعية الدولية للأطراف الصناعية، أحد خريجى هذا المعهد.
يقول عامر: كان عدد الملتحقين بالشعبة لا يتجاوز الخمسة عشر طالبا، وبعد إغلاقها لم يبق أمام الطلاب سوى دخول شعبة الأطراف الصناعية بمدرسة إمبابة الثانوية الصناعية، وهى الجهة الوحيدة على مستوى الجمهورية التى يوجد بها هذا التخصص، ويدرسه عدد معين من الطلبة يتراوح بين 25 و38 طالبا.
وعلى الرغم من عدم وجود مواصفات قياسية لإنتاج الأطراف الصناعية فى مصر، تبقى عملية التصنيع وتدريس هذا العلم مستندة إلى مجموعة من القواعد والخطوات العالمية التى لا يمكن الحياد عنها، لضمان جودة الطرف، ومن ثم سلامة المريض، وذلك وفقا لما ذكره الدكتور سمير خليفة، استشارى الأطراف الصناعية، عضو الجمعية الدولية للأطراف الصناعية.
«اليوم السابع» تنتج طرفا صناعيا فى ورشة «بير سلم»:
فى حى عابدين بالقاهرة، تتراص عشرات المحال ذات الواجهات الزجاجية الأنيقة، عارضة مجموعة من الأجهزة التعويضية التى تبدأ أسعارها من 1000 جنيه للطرف المحلى، وصولا إلى 5000 جنيه فأكثر للطرف المستورد، عدد من تلك المحال يتبع مصانع خاصة بها لإنتاج الأطراف الصناعية فى منطقة العاشر من رمضان، وعدد آخر يتبع ورشا بدائية تعمل لصالحه فى منطقة عابدين نفسها.
وسط تجمع سكنى، وداخل منزل متواضع مكون من ثلاثة طوابق، وفى شقة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، يقضى مجموعة أشقاء عملهم فى تصنيع الأجهزة التعويضية، وبيعها للراغبين، سواء المرضى الذين يحصلون عليها بشكل مباشر، أو بطلب كميات كبيرة منها لصالح عدد من عيادات العلاج الطبيعى، والشركات العاملة فى مجال الأطراف الصناعية والمستلزمات الطبية.
داخل الورشة انتشرت على الجدران نماذج معروضة للقوالب المصنوعة من الجبس، المستخدمة فى صناعة الأطراف الصناعية، إلى جانب الأحذية المخصصة للأطفال أصحاب الإعاقات، وخلف ماكينة حياكة جلس شاب فى العشرينيات من عمره، بدا منهمكا فى حياكة بعض الأحزمة الطبية التى تُعرض مثيلاتها فى محال الأدوات الرياضية، أو تلك المعروضة لمرضى الانزلاق الغضروفى.
تحت ستار امتلاكنا شركة وهمية باسم «الحمد للمستلزمات الطبية والأطراف الصناعية»، تواصلنا مع القائمين على هذه الورشة، والذين يتباهون بمنتجاتهم وتوريدها لصالح عيادات علاج طبيعى، وكذلك الشركات الموزعة للتأمين الصحى، على حد قولهم، وقمنا بثلاث زيارات متتالية استغرقت كل منها ما يزيد على النصف ساعة، تم خلالها الاتفاق على إنتاج طرف صناعى فوق الركبة عالى الجودة، بهدف دخول مناقصة تابعة للتأمين الصحى، وفى حالة فوز شركتنا الوهمية بالعطاء سيتم الاتفاق مع الورشة لإنتاج كميات أكبر.
وخلال تلك الزيارات رصدنا آلية العمل داخل الورشة، بداية من مرحلة رفع المقاسات بالمازورة «الطريقه البدائية»، والتى اعتبرها أيمن عامر، خبير الأطراف الصناعية، كارثة فى حد ذاتها، لما ينجم عنها من أخطاء خلال عملية رفع المقاسات، تتسبب فى عدم ضبط زوايا الجهاز، ومن ثم يتألم المريض، مرورا بالأشخاص غير المختصين القائمين على عملية التصنيع، وصولا إلى مرحلة تسلم الطرف نفسه خاليا من السوفت سوكت «عبارة عن مادة لينة تسمى بالبولى فورم كعازل بين الجهاز وبين طرف الإنسان الذى يتم تركيبه فيه»، فضلا عن تصنيع الجوارب التى تساعد المريض على ارتداء الجهاز وفقا لما جاء فى تقرير تقييم الجهاز من قبل وحدة الأطراف الصناعية بكلية العلاج الطبيعى.
فى الطابق الثالث من المنزل نفسه، وفى غرفة ضيقة ممتلئة بالعديد من الماكينات البدائية التى تستخدم فى ورش الخراطة، وقف شخصان لثقب قطع بلاستيكية، وفى أقصى يمين الغرفة كان يوجد فرن مشتعل مماثل لأفران الخبز البلدى يتم فيه إدخال قوالب جبسية.
مازورة، وورقة بيضاء، وصبى صغير لا يتعدى عمره السنوات العشر، هو كل ما احتاجه «ح. س»، أحد القائمين فى الورشة، لشرح كيفية أخذ المقاسات على ذلك الصبى الصغير، من خلال ثنى رجله اليسرى، باعتباره شخصا يعانى من بتر علوى، ويحتاج إلى طرف صناعى، مشيرا إلى أن هذه هى الطريقة التى يتم من خلالها رفع المقاسات لتصنيع قالب الجبس، ومن ثم إنتاج الطرف.
يقول «ح. س»: هذا الطرف ثمنه فى السوق لا يقل عن 4000 جنيه، ولكن نظرا لكونكم شركة وليدة، وتسعون لنيل رضا المسؤولين والفوز بالمناقصة، سأبيعه لكم بــ 1500 فقط، ويضيف: هذا الجهاز سيعجب القائمين على هيئة التأمين الصحى، أهم شىء أن يتم عرضه عليهم بسعر رخيص.
مراحل التصنيع السابقة جاءت مخالفة تماما للقواعد والشروط التى وضعتها الجمعية الدولية للأطراف الصناعية لإنتاج أى طرف، وفقا لما ذكره الدكتور سمير خليفة، استشارى الأطراف الصناعية، العضو بالجمعية، الذى أشار لمراحل إنتاج الطرف، قائلا: فى البداية من المفترض أن يتم تحديد نوع الطرف الصناعى تبعا لمجموعة عوامل، أهمها مستوى البتر، وسببه، ونوع الطرف إن كان تجميليا أو ميكانيكيا أو إلكترونيا، ثم يتم رفع المقاسات باستخدام أجهزة ومعدات متقدمة، من بينها الماسح الضوئى، مع مراعاة الأصول الفنية والعلمية التشريحية، ولا يوصى أبدا باستخدام المقاس المترى منفردا «المازورة»، لأنه دائما ما يعطى قراءة خاطئة، وبعد ذلك يتم صب الجبس ونحته حسب المواصفات الفنية والعلمية لكل مقاس على حدة، مع الأخذ فى الاعتبار الأصول التشريحية لكل طرف.
ويضيف خليفة: بعد الانتهاء من نحت الجبس تأتى مرحلة صب الحافظة، والتى تحوى البتر أيا كان، حسب المقاس الفعلى والاعتبارات الفنيه، وفيها تستخدم أنواع من الإكريلك الخاص، والبلاستيك الطبى، وتسليحها بطبقات من الكربون والجلاس فايبر، ودمجها مع بعض القطع المعدنية من التيتانيوم، مع الأخذ فى الاعتبار الحافظة السليكون، ولا يفضل استخدام الحديد أو الخشب فى تصنيع الطرف، حيث إن الأول يتسم بالثقل، والثانى يمتص الرطوبة، وبعد ذلك يتم تجميع أجزاء الطرف الصناعى وربطها ببعض، مع مراعاة أماكن تحميل الوزن والضغط، ومفاصل الحركة، والأطوال، ونقاط التحميل المرتبطة بالعضلات، واختبار ليونة وثبات واستجابة الطرف لأنشطة المريض، مع التأكيد على سهولة وسلاسة الحركة والاعتماد على نفسه دون أى مساعدة.
الورشة غير مرخصة:
معرفة الجهات الرسمية التى تتبعها المنشآت العاملة فى هذا المجال، تطلبت فى البداية الرجوع للإدارة العامة للتراخيص بالإدارة المركزية لشؤون الصيادلة بوزارة الصحة، والتى أخلت مسؤوليتها تماما، بحجة أنها تخرج عن إطار الأدوات المعقمة المسؤولة عنها الإدارة، على الرغم من أهميه هذا الملف، وارتباطه بحياة المرضى، وبالتالى لم يبق سوى اللجوء لوزارة الصناعة، تحديدا هيئة التنمية الصناعية التى أكد رئيسها إسماعيل جابر مسؤوليته عن منح التراخيص للشركات العاملة فى هذا المجال، وذلك بعد استيفاء الأوراق المطلوبة، والممثلة فى صورة السجل التجارى، وبطاقة الرقم القومى، وصحيفة الشركات المساهمة، وشهادة عدم الالتباس من الهيئة العامة للاستثمار، بالإضافة للأوراق المطلوبة الخاصة بالأرض المقامة عليها المنشأة، والبيانات الفنية للحصول على السجل الصناعى بعد بدء التشغيل التجريبيى.
وبالفعل منحت الهيئة موافقتها لــ 26 شركة عاملة منتشرة فى مختلف محافظات مصر، من بينها 6 شركات فقط عاملة فى مجال الأطراف الصناعية، و20 أخرى فى مجال المستلزمات الطبية «المسامير والشرائح الطبية»، نافيا منحها موافقة لأى ورش تدخل فى هذه الصناعة.
بعد الرجوع للجهات السابقة جاء دور رئاسة حى عابدين التى تقع فى حيزها الورشة، لمعرفة إن كانت حاصلة على ترخيص أم لا، حيث قال المهندس أيمن الشربتلى، مدير الرقابة على المحال فى حى عابدين: لم نمنح تراخيص لأى ورشة تقع وسط تجمعات سكنية، وما يوجد فى حى عابدين محال تجارية فقط لعرض الأطراف الصناعية، وليس ورشا للتصنيع، مؤكدا عدم علمه بوجود ورش لتصنيع الأجهزة التعويضية فى تلك المنطقة. وأضاف الشربتلى: تم نقل ما يقرب من 36 نشاطا خارج الكتلة السكنية، من بينها ورش السمكرة والدوكو، ولم تمر علينا حتى الآن طلبات الحصول على ترخيص لورشة لتصنيع الأطراف الصناعية.
بعد التأكد من عدم ترخيص الورشة، والسماح للقائمين عليها بإنتاج أطراف صناعية، جاءت مرحلة تقييم الجهاز لعرضه بعدها على لجنة الدعم الفنى بهيئة التأمين الصحى، استعدادا لخوض المناقصة.
تقييم الجهاز قبل عرضه على التأمين الصحى:
فى وحدة الأطراف الصناعية بكلية العلاج الطبيعى جاء تقييم الجهاز، حيث حصلت «اليوم السابع» على تقرير مكتوب من الوحدة يفيد بالآتى: إن التشطيب النهائى للطرف مقبول، ولكن هناك مجموعة من الملاحظات تتمثل فى غلاء سعر الجهاز مقارنة بالخامات المستخدمة، كما أنه يصلح للأوزان الخفيفة فقط، حيث إن الركبة الموجودة بالجهاز ركبة فايبر لا تتحمل الأوزان الثقيلة، ولا يوجد به حزام لربط الطرف على وسط المريض لتثبيته، مراعاة لعامل الأمان بالنسبة للمريض، ولا يوجد به صمام لطرد الهواء الموجود بين البتر والجهاز، حيث إن وجود هذا الصمام مهم فى هذه الأجهزة لمراعاة تثبيت الجهاز، وأخيرا زاوية ميل الجهاز أكبر من المسموح به، مما قد يتسبب فى سقوط المريض خلال السير، بالإضافة لعدم انضباط زاوية ميل الـ«سوكت»، وعدم مراعاة نقاط الضغط، كذلك لا يوجد بالطرف «سوفت سوكت»، وهو عبارة عن مادة البولى فورم اللينة للحفاظ على مكان البتر دون إصابة من الجهاز، خاصة عندما يكون مريض سكر، وعدم وجود الجوارب الخاصة بمساعدة المريض على ارتداء الطرف.
عرض الجهاز على هيئة التأمين الصحى:
لم نكتف بحديث القائمين على الورش الخاصة بتوريدهم منتجات لصالح الشركات الموزعة لهيئة التأمين الصحى، وقررنا خوض مناقصة تابعة لتلك الجهة، للتأكد من احتمالية موافقة الهيئة على طرف بمثل تلك العيوب، فى ظل سعره الزهيد، وغياب المواصفات القياسية، لذلك توجهنا إلى وحدة الدعم الفنى بهيئة التأمين الصحى، وهى الجهة المسؤولة عن معاينة الأطراف الصناعية المطروحة من قبل الشركات المختلفة، والمسؤولة عن تقييمها قبل دخول المناقصة والموافقة عليها.
هنا عرضنا الجهاز المنتج بواسطتنا فى ورش «بير السلم» للحصول على موافقة مبدئية للدخول فى مناقصة الهيئة، المقرر الإعلان عنها شهر يوليو الجارى، هناك أبدى الدكتور «م. ط»، مسؤول الوحدة على الجهاز، إعجابه الشديد به قائلا: التشطيب النهائى بحاجة لاستكماله فيما يتعلق بالمادة الإسفنجية التى سيتم التحميل عليها، ولكن بشكل عام الجهاز جيد. وبإبلاغه بتكلفة الجهاز التى قررتها الشركة الوهمية التى أسسناها، وهى 500 جنيه، مقابل تكلفة الجهاز الذى تنتجه الشركة المنافسة التى تتعامل معها الهيئة حاليا وتصل إلى 2000 جنيه، وعد الطبيب السابق بمساعدتنا فى تسويق الجهاز على الرغم من علمه بأن هذا الطرف تم تصنيعه فى ورشة، وليس فى شركة معترف بها، ولم يلفت انتباهه سوى الثمن الزهيد، والبطانة الإسفنجية التى يحتاج الجهاز للتزود بها، دون أن يأخذ فى الاعتبار جميع العيوب السابقة التى أشار تقرير وحدة الأطراف الصناعى بكلية العلاج الطبيعى إليها.
وبالرجوع لهيئة التأمين الصحى لمواجهة القائمين عليها بما حدث، قال خالد عبدالغفار، المتحدث الإعلامى لهيئة التأمين الصحى، إن الهيئة تعلن عن موعد المناقصات التى تتقدم خلالها الجهات المنتجة للأطراف الصناعية، ويتم إرساء العطاء على الأقل سعرا مادام أن المنتج يستوفى الأوراق وشروط المناقصة. وبسؤاله عن عدم اعتمادهم على المراكز والمصانع الحكومية لتوريد الأطراف الصناعية للهيئة، قال: يحق للجميع المشاركة، ولكن المصانع الحكومية لا تتقدم للمناقصات، وبالتالى لا يمكن إجبار جهة على التعامل مع الهيئة.
ونفى عبدالغفار فى البداية فكرة تعامل الهيئة مع الورش المنتجة للأطراف الصناعية، واقتصار التعامل مع المصانع فقط، لكنه عاد وأكد بعد ذلك أن الهيئة تتعامل مع أى جهة يرسى عليها العطاء لأنها الأقل سعرا.
أزمة المواصفات القياسية:
فى يناير 2014 أصدر منير فخرى عبدالنور، وزير التجارة والصناعة سابقا، قرارا بتشكيل لجنة فنية دائمة للارتقاء بمستوى صناعة الأجهزة التعويضية فى مصر، وتنفيذ المشروعات البحثية لإنتاج أجهزة تعويضية مطابقة للمواصفات الطبية والصناعية العالمية، وذلك برئاسة الدكتور محمود الجرف، رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية سابقا، وعضوية ممثلين للمجلس القومى لشؤون الإعاقة، ومركز الطب الطبيعى والتأهيل بالعجوزة، ومركز بحوث وتطوير الفلزات، والهيئة العربية للتصنيع، والأمانة التنفيذية لإزالة الألغام، ومؤسسة مصر الخير، والهيئة العامة للتأمين الصحى، وكان من المفترض أن تختص تلك اللجنة باستخدام الأساليب العلمية فى تصنيع مكونات الأجهزة التعويضية، من الخامات المحلية، بجانب إنشاء سجلات صناعية لورش تصنيع الأجهزة التعويضية لتقنين أوضاعها، واستخدام هذه الورش كمصانع صغيرة للصناعات المغذية لصناعة الأجهزة التعويضية بعد تقديم الدعم الفنى، والخبرة التكنولوجية والصحية لها، وإلزامها بالإنتاج طبقا للمواصفات القياسية العالمية.
وجاء قرار تشكيل اللجنة فى الوقت الذى خاطب فيه جهاز حماية المستهلك، الهيئة العامة للمواصفات والجودة، وهى الجهة التى حاولنا التواصل معها لمعرفة موقفها، لكن دون جدوى، للإسراع فى وضع مواصفات قياسية لتصنيع الأجهزة التعويضية، وذلك بعدما ورد للجهاز 13 شكوى من قبل مرضى بسبب وجود عيوب فى أطرافهم الصناعية، وفقا لما ذكره اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، ولكن لم تجتمع هذه اللجنة سوى مرتين خلال عهد عبدالنور، وتوقفت عن العمل فجأة بعد تغيير الوزارة على حد قول خالد عبدالغنى، رئيس قسم التصنيع بمركز بحوث وتطوير الفلزات، أحد أعضاء اللجنة، والذى يؤكد أن الحرص على تشكيل تلك اللجنة جاء لعدم وجود مواصفات قياسية لتصنيع الأطراف الصناعية فى مصر، وغياب المتخصصين فى هذا المجال، على الرغم من أن سلامة الجهاز للمريض لا تعتمد فقط على دقة القياسات، إنما أيضا دراسة نقاط الارتكاز فى جسم المريض، وقوة وسلامة المفاصل التى سيتم تحميل الجهاز عليها، وهو ما يقتضى أن يكون العامل أو مُصنّع الجهاز دارسا لعلم التشريح. وإلى أن تستعيد اللجنة عملها مرة أخرى للنهوض بتلك الصناعة، وتقوم هيئة المواصفات والجودة بوضع المواصفات القياسية اللازمة للتصنيع، ويُعاد افتتاح شعبة الأطراف الصناعية بالمعهد الفنى الصحى لتخريج دفعات من الفنيين المتخصصين لتدريب القائمين على تلك الورش، وإلى أن يتم إنشاء سجلات صناعية لورش تصنيع الأجهزة التعويضية لتقنين أوضاعها، وإلى أن يتم إلزام المؤسسات العلاجية بإشراك عضو فنى متخصص فى وضع المواصفات الفنية لتقييم عروض الشركات الموردة للأجهزة التعويضية، يبقى المريض هو من يدفع ثمن آلامه المضاعفة، نتيجة أجهزة غير صالحة للاستخدام الآدمى.
العدد اليومى
موضوعات متعلقة..
- علماء اسكتلنديون يطورون مادة من السبانخ لتصنيع الأطراف الصناعية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة