حينما ضرب الإرهاب مصر فى الثمانينيات والتسعينيات وقف العالم كله يتفرجون وينتظرون ما ستؤول إليه الأحداث، وهل ستصمد الدولة المصرية أمام الجماعات الإرهابية أم تتحول مصر إلى إمارة إسلامية، ورفضت وقتها الدول الكبرى النداءات المصرية المتكررة بضرورة عقد مؤتمر دولى للإرهاب يتم الاتفاق خلاله على تعريف واضح ومحدد للإرهاب، وتنسيق الجهود الدولية لمواجهة هذه الآفة المستعدة لالتهام الجميع.
رفض الجميع طلب الدولة المصرية معتقدين أنهم بعيدون عن خطر الإرهاب، حتى حينما تعرضت الولايات المتحدة لهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 لم تحاول الدخول فى عمل جماعى لمحاصرة الإرهاب، واختارت الرد على الإرهاب بإرهاب آخر، وهو إرهاب الدولة حينما احتلت العراق وأفغانستان، وسار على النهج الأمريكى بقية الدول الغربية التى تعرضت لهجمات إرهابية، لكنها استمرت فى رفض مقترح المؤتمر الدولى، حتى حينما اتسعت رقعة الإرهاب وأصبحت العراق وسوريا أكبر مهدد أمنى للعالم كله، اختارت الدول الكبرى فكرة التحالف الدولى لمواجهة داعش، وهو التحالف الذى يضم قرابة الأربعين دولة، لكنه تركز على مواجهة داعش، دون البحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب وكيفية مواجهته فكريا وسياسيا وأمنيا واجتماعيًا.
اليوم تعانى أوروبا من الإرهاب أكثر مما تعانى منه دول الشرق الأوسط، فهل تصل أوروبا إلى قناعة بأهمية أن تجلس دول العالم مع بعضها البعض للاتفاق على آلية موحدة وواضحة لمواجهة الأفكار المتطرفة والإرهابية، وحل المشاكل التى يمكن أن تكون سببًا فى انتشار الأفكار المتطرفة، من خلال التحرك العاجل من أجل عقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب وتضافر كل الجهود الدولية للمساعدة فى ذلك وتقديم كامل الدعم للدول التى تحاربه وفى مقدمتها بالتأكيد مصر التى تقف بمفردها فى مواجهة الإرهاب دون أن تلقى مساعدة من أحد.
بالتأكيد هناك تضامن دولى مع فرنسا التى عانت من ثلاث هجمات إرهابية خلال عام ونصف راح ضحيتا أكثر من 250 مواطنا، لكن هذا التضامن ليس كافيًا، بل يجب أن يكون هناك اتفاق دولى على مكافحة الإرهاب ودحره، وهو الأمر الذى يتطلب، وفقا لما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى «تكاتف جهود المجتمع الدولى من خلال استراتيجية شاملة فى مواجهة آفة الإرهاب، الذى يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار فى مختلف أنحاء العالم دون تفريق»، وهذا التكاتف لا يجب أن يقتصر على عبارات الاستنكار والتأييد وغيرها من البيانات التى مللنا من سماعها، وإنما من خلال العمل الفعلى على الأرض على عدة جبهات.
أهم جبهة هو قطع الطريق على مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، خاصة بعدما كشفت تقارير كثيرة عن تورط دول بعينها فى تمويل الإرهاب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يستدعى التحرك السريع للتعامل مع هذا التحدى، كونه الأساس فى أى تحرك يستهدف مواجهة الإرهاب، فبدون إغلاق مصادر تمويل الجماعات الإرهابية فإن أى إجراءات أخرى لن يكتب لها النجاح.
كما يجب الاستفادة من المؤسسات الدينية المعتدلة وعلى رأسها الأزهر الشريف، ويجب ألا نغفل الزيارة التى قام بها مؤخرا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لفرنسا والفاتيكان، وتأكيده على أن الأزهر الشريف لديه إصرار واضح على مواجهة الفكر المتطرف وتفكيكه وتجفيف منابعه واقتلاعه من جذوره ونشر الوسطية والسلام فى كل ربوع العالم، مع الدعوة إلى ضرورة تضافر الجهود لوضع استراتيجية عالمية للقضاء على هذا الإرهاب الأسود وتخليص العالم من آفاته وشروره، فالأزهر الشريف باعتباره أكبر مؤسسة دينية فى العالم يمكن التعويل عليه فى مهمة نشر صحيح الدين الإسلامى.
ويبقى أمر آخر مهم وهو الاتفاق على حلول سياسية للأوضاع فى العراق وسوريا وليبيا، باعتبارهم بيئة حاضنة للأفكار المتطرفة، وتمدد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابى، فعدم وجود توافق دولى على الحل سيعطى فرصة للتنظيمات الإرهابية لكى تزيد من انتشارها، وبالتالى تهديد ليس فقط دول الجوار وإنما أوروبا التى تعانى فعليًا من الإرهاب القادم لها من الدول الثلاث.
هناك روشتة وواضحة المعالم يمكن اللجوء إليها لمواجهة الإرهاب، إذا كانت الدول الكبرى لديها الرغبة فعليًا فى الحل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة