المشاهد فريسة لـ«سيل الإعلانات» فى رمضان
طوال الشهر الفضيل وعلى شاشات الفضائيات وقع المشاهد للمسلسلات الرمضانية فريسة لسيل من الإعلانات تجاوز فى مساحته عدد ساعات المسلسل نفسه، وكأنك تشاهد كثيرا من الإعلانات وقليلا من المسلسلات. عموما هذا موسم أو شهر الإعلانات التى تنتظره شركات الإنتاج أو المنتجين. الملفت للنظر أن الغالبية من الإعلانات استحوذت عليها الشركات العقارية التى تسوق للإسكان الفاخر من فيلات وشاليهات و«كومباوندات»، والجمعيات والمؤسسات الخيرية ومستشفيات القلب والسرطان والكبد بهدف تحفيز المشاهدين على التبرعات. ولا أعرف السر فى تركيز هذا الكم من الإعلانات على شهر رمضان، هل لأنه شهر كريم، وبالتالى يجب انتهاز فرصة المشاعر الدينية والإنسانية الفياضة للمصريين فى هذا الشهر.
إذا كان الأمر بهذه الطريقة فنحن أمام مشهد استفزازى وانتهازى بامتياز. فإعلانات الشاليهات الفخمة فى الساحل الشمالى أو فى البحر الأحمر أو فى القاهرة وضواحيها تشعرك بأنك فى مجتمع يعيش حالة من الرفاهية الكاملة، ولا يعانى من أى مشاكل أو هموم أو ربما همه الوحيد هو اختيار «فيلا بجنينة» فى الدور الأول أو الثانى أو الثالث أو يبيع شقته وبيته فى القاهرة، ليحصل على شاليه على البحر أو على شقة تختزل كل مميزات المدن العالمية فى نيويورط وباريس ولندن، وليس فى مجتمع يعانى من ظروف اقتصادية غاية فى الصعوبة ويعيش نسبة كبيرة منه تحت خط الفقر وفى العشوائيات.
على الجانب الآخر وبعد إعلان الشاليهات مباشرة تصدمك إعلانات الضغط على المشاعر وعرض مشاهد المرضى والفقراء والمحتاجين، لحث ودفع المشاهد للتبرع عبر الأرقام المكتوبة على الشاشة أو عبر مندوب سيصل سريعا للحصول على التبرع.
هذا الكم من إعلانات المؤسسات والجمعيات الخيرية يدفعك للسؤال أو التساؤل أيضا هل نحن بلد تبرعات أم بلد شاليهات وكومباوندات، فليس معقولا أن تحتل إعلانات العقارات الفاخرة هذه المساحة على كل الفضائيات فى بلد يعيش ظروف معيشية صعبة، فمن يصدق أن الشعب المصرى غير مهتم بأى نوع من أنواع العقارات سوى بالمساكن الفاخرة دون الحديث عن السؤال المسكوت عنه وهو «من أين الأموال لشراء الفيلات والشاليهات». هل هناك أموال عشوائية كثيرة فى السوق المحلى خارج الأطر الشرعية، الإجابة بالفعل نعم والدليل طوابير المئات من الناس على إحدى الشركات المشهورة لشراء الفيلات والشاليهات. وهذه الأموال خارج البنوك ولا تعلم الحكومة عنها شيئا، وقدرها ذات يوم وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان بحوالى 350 مليار جنيه.
نحن أمام مشهد متناقض بين مجتمع يعيش على التبرعات و«الشحاتة»، ومجتمع آخر لا هم له سوى البحث عن الشاليهات والفيلات والشقق الفاخرة ولا وسط بينهما، وليست هناك دراسات أو بيانات توضح لنا حجم الأموال فيما يتعلق بالترعات، أو حجم المبيعات بالنسبة للشقق والفيلات. الشفافية غائبة بالتأكيد عن حجم التبرعات لمؤسسات العمل الخيرى والموارد المالية المتاحة لها وبنود إنفاقها وهو ما تشير إليه مؤسسة «شركاء من أجل الشفافية» التى طالبت المؤسسات باتباع نهج أكثر شفافية وتبرير كثافة الإعلانات ليس من منطلق التشكيك فى النوايا، وإنما لترسيخ قيم وممارسات الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بشؤونها المالية، فهناك شواهد كثيرة على أن هناك إنفاقا ضخما على بند الدعاية والإعلان لمؤسسات العمل الخيرى، خاصة خلال شهر رمضان، ومع ما هو متعارف عليه من ارتفاع تكلفة الإعلان خلال هذا الشهر نتيجة كثافة المشاهدة، فيصبح من الضرورى أن يعرف المتبرعون نسبة ما يتم تخصيصه من تبرعاتهم لبند الدعاية والإعلان، والعائد من حملات الدعاية التى يتم تدشينها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة