تركيا على رأس الدول «الأكثر انقلابا»
ينشغل الرأى العام منذ وقوع الانقلاب التركى الفاشل بسؤال مهم، وهذا السؤال هو: هل دبر أردوغان هذا الانقلاب بنفسه لكى يمرر كل هذه الإجراءات التعسفية التى يقوم بها؟ وفى الحقيقة فإن هذا السؤال يلقى رواجا كبيرا بين المؤمنين بنظرية المؤامرة، وهم كثر، وقد ساعد أيضا فى انتشار هذا التساؤل شيئان: الأول هو مفاجأة القيام بالانقلاب، والثانى هو سرعة إخفاقه، وفى الحقيقة وبرغم أنى لا أستبعد أى شىء فى ميدان السياسة فإنى لا أرى دليلا قاطعا على أن أردوغان قام بهذا الانقلاب أو دبره لينفذ ما يريد، خاصة أن هناك آلافا الآن يقعون ما بين العزل والسجن، وهناك عشرات آخرون مهددون بالإعدام، كما أنى لا أستريح لتصور أن أحدا ما يرحب بالإقدام على مثل هذه الخطوة الخطرة التى إن انكشفت فستؤدى إلى هلاكه، ولهذا، وبرغم وجود عشرات الأسئلة الحائرة، فإنى لا أستريح لفكرة المؤامرة، وأرى أن الأمر أبعد من هذا بكثير.
أولا لم يكن هذا الانقلاب مفاجئا بهذا الشكل الذى يصورونه، فتركيا من أكثر بلدان العالم التى تحدث بها انقلابات عسكرية، وأعتقد أنه لو كان هناك ما يسمى بـ«حزام الانقلابات» ليضم الدول التى يكثر فيها حدوث انقلابات مثلما يوجد ما يسمى بـ«حزام الزلازل» الذى يضم البدان التى تكثر بها الزلازل، لكانت تركيا أولى الدول الواقعة فى حزام الانقلابات، فمنذ الستينيات وحتى الآن شهدت تركيا ستة انقلابات عسكرية، بمعدل يقترب من «انقلاب لكل عقد» وهو أمر يدلنا على أن مسألة الانقلابات العسكرية مسألة حاضرة فى الوجدان التركى بشكل كبير، ويزيد من توقع الانقلاب تقليص صلاحيات الجيش التركى أو اللعب فى الهوية التركية العلمانية التى يحميها الجيش، وهو الأمر الذى فعله أردوغان مرارا وتكرارا.
فى هذا السياق تبرز أهمية الوثائق التى أعلن موقع ويكيليكس عن نشرها التى يؤكد من خلالها أن هناك نية مؤكدة لدى الرئيس التركى بإعادة تنظيم تركيا وإعادة هيكلة هيكلها الإدارى، وهو ما يدعم تلك النظرية التى تؤكد أن انقلاب 15 يوليو الماضى لم يكن مقررا له الاشتعال فى هذا التوقيت، وأن قادة الانقلاب توصلوا إلى معلومات مؤكدة تقول إن أردوغان سيعصف بهم فى يوم 16 يوليو ضمن حملة تطهيرية، ولهذا عجلوا من وقوع الانقلاب، وإذا أضفنا إلى هذا تصريحات رئيس البرلمان التركى «إسماعيل كهرمان» المنتمى إلى حزب أردوغان، التى أعلن من خلالها عزم البرلمان تغيير الدستور التركى وجعله دستورا إسلاميا، بالإضافة إلى حالات الأسلمة الحاصلة الآن فى المجتمع التركى، صارت جميع مسببات الانقلاب حاضرة، فكيف يصبح مفاجأة؟