لا يجدى أن تكون القمة العربية فى نواكشوط 27 يوليو الجارى، مثل غيرها من القمم العربية السابقة، وتكتفى ببيانات الشجب والإدانة والعبارات المرسلة والخطب الإنشائية، أو أن تصدر عنها قرارات لا تغنى ولا تثمن من جوع، فالجسد العربى ليس فيه شبر واحد إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وتعيش الأمة العربية أسوأ فتراتها على مر التاريخ، تحيط بها المخاطر من كل اتجاه، وتخترقها التحديات فى الداخل والخارج، والعرب ينتظرون ملوكهم ورؤسائهم ويتساءلون: ماذا يفعلون؟
أولا: بارقة أمل تأتى فى نهاية النفق العربى المظلم، بتولى أحمد أبو الغيط منصب الأمين العام للجامعة العربية، ويتحرك بمخزون هائل من الوعى والخبرات والتجارب العملية فى الأروقة الدبلوماسية، على مدى أكثر من أربعين عاما، واتسمت تحركاته فى الفترة القصيرة الماضية بالفاعلية والارتياح، خصوصا حين أعلن أنه سيذهب إلى قطر للبحث عن نافذة للتقارب بينها وبين مصر، وتأكيده على ضرورة مواجهة التحديات المعقدة والمتشابكة التى تشهدها المنطقة العربية بشكل عام، ووصلت خطورتها إلى درجة تهديد أمن واستقرار ووحدة منظومة الأمن القومى العربى.
ثانيا: إيران فى الشرق وتركيا فى الشمال وإسرائيل فى القلب، ومخططات هذا المثلث الشرير تهدد امن واستقرار الدول العربية المستهدفة، ولا ينفع ان تصدر قرارات هزيلة، لا تواجه التهديدات الايرانية لدول الخليج، ولا تدعو تركيا إلى وقف دعمها ومساندتها للعناصر الإخوانية التى تتآمر على مصر، بعد ان ذاقت مرارك الانقلاب، وآن الاوان ان تصدر عن القمة مبادرة حاسمة، لإعادة احياء القضية الفلسطينية، وان يكون التحرك فى هذه القضايا المصيرية، بشكل جماعى حتى يشعر العالم أن هناك شيئا اسمه العرب فى منطقة الشرق الأوسط.
ثالثا: هل تستطيع القمة أن تصدر قرارا بإصرارها على انسحاب الجيوش الأجنبية من المنطقة، بعد أن أصبحت دولها مستباحة دون مظلة دولية من مجلس الأمن، وأن تترك الشعوب تقرر مصيرها وتختار الأنظمة السياسية التى تتناسب معها، فالتدخل الأجنبى هو الذى مزق سوريا والعراق وليبيا واليمن، والجيوش التى جاءت بأوهام الربيع العربى، حولت المنطقة إلى جهنم، دون ادنى بارقة للخلاص.
رابعا: لا يجب أن تستمر الرؤية العربية الضبابية حول المقاومة الشاملة للإرهاب، بعد أن أثبتت الأحداث أنه ليست هناك دولة عربية واحدة بمنأى عنه، ورغم ذلك فهناك دول عربية تدعم تنظيمات ارهابية مثل الاخوان وداعش وحزب الله وغيرها، وتمدها بالأموال والسلاح وتحتضن كوادرها، وإذا لم تصدر عن القمة قرارات عملية حاسمة بتجفيف مصادر تمويل هذه الجماعات، وتعقب عناصرها وتسليم الإرهابيين فلن تعرف المنطقة العربية معنى الهدوء والاستقرار، وستمتد مخاطر الارهاب لسنوات طويلة قادمة.
خامسا: مقتل القمم العربية السابقة، سعى بعض الزعماء العرب للجلوس على مقعد القيادة، والواقع العربى الآن يقول انه لم تعد هناك عربة ولا قيادة، فمن كان يتصور انه فى عام واحد تختفى الزعامات التاريخية التقليدية مبارك والقذافى وبن على وعبد الله صالح، والقادم اسوأ اذا لم يلتئم شمل العرب ويوحدوا الصف، لأن مؤامرة الجحيم العربى انتهى فصلها الأول، ولكن لم يسدل الستار عن فصلها الأخير والخطر قريب جدا مما يتصورون انهم بعيدين عنه.
سادسا: يحلم أبو الغيط أن يكون التكامل الاقتصادى العربى حقيقة لا خيالا، وأن تتم إزالة المعوقات فى مجال تنفيذ المشاريع التكاملية العربية مثل الانتهاء من منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وربط الدول العربية على مستوى شبكة الطرق البرية والسكك الحديدية والنقل البحرى وبمشاريع الطاقة والكهرباء، والارتقاء بدور جامعة الدول العربية، وأساليب عملها وهيكلتها وتنشيط عمل الأمانة العامة، فى إطار السعى لتحقيق قدر أكبر من الفعالية والتنسيق والتعاون فى عمل آليات العمل العربى.. وهى رؤى لم تتحقق منذ نشأة الجامعة العربية، فهل يولد الامل العربى فى نواكشوط من جديد ؟.