فقد سادت حالة من الجدل فى الأوساط القضائية والقانونية والسياسية بسبب ما نصت عليه التعديلات الاخيرة التى أجرتها الحكومة على أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 والخاص بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المدنية والعسكرية والتى نصت على أن "يفرض طابع تمغة بمبلغ 10 جنيهات على الشهادات التى تستخرج من المحاكم على اختلاف درجاتها والنيابة العامة ومجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وكذا صحف الدعاوى وتقارير الطعن فى الجنح والمخالفات ومذكرات أسباب الطعن بالنقض.. وتؤول حصيلة ما يعادل قيمة الطابع إلى صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية ويصدر بتحديد شكل الطابع وكيفية تحصيله وأحوال الإعفاء منه قرار من وزير العدل".
فيرى الخبراء القانونيين أن هذه الرسوم الجديدة تمثل عبئا كبيرا على المواطن وتعوق حقه فى التقاضى الذى كفله الدستور له طبقا لنص المادة 97 من الدستور التى تنص على"التقاضى حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى، والمحاكم الاستثنائية محظورة"، مشيرين إلى أن هذا سيجعل حق التقاضى حكرا على الأغنياء فقط بينما يرى البعض الآخر أن هذه الرسوم ضئيلة جدا فى نظير الخدمة التى يقدمها القضاة والمحاكم للمواطنين .
يقول النائب أحمد حلمى الشريف عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب ، أن اللجنة لم توافق على تعديلات الحكومة فيما يخص دفع 10 جنيهات على كل ورقة يتم سحبها من المحاكم ولكن قامت بتعديل ذلك وتم قصرها على الشهادات التى تستخرج كخدمة للمواطن علاوة على أنها قدرت مبلغ بسيط جدا لا يذكر أمام الخدمة المقدمة له وبالتالى فإنه لا يوجد غضاضة فى تطبيق ذلك.
وأوضح "الشريف" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن التعديلات جاءت فى إطار صحيح القانون الدستور، حيث بالفعل نص الدستور على أن تكفل الدولة حق المواطن فى التقاضى ولكن أيضا على المواطن أن يسدد رسما نظير خدمة مقدمة له والتى ستذهب إلى صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للهيئات القضائية الذين يقومون بعملهم داخل المحاكم ويتعرضون لظروف صحية ناتجة عن عملهم.
وأشار عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب إلى أن الدولة تتحمل الكثير من الأعباء ولكن لا يكفى لعلاج القضاة، وبالتالى فإن من حق القضاة أن يحصلوا على علاج نظير ما يقدمونه من خلال هذه الرسوم مشيرا إلى أن قيمة الـ10 جنيهات لا تتناسب مع سعر الشهادات والدمغات التى تقوم المحاكم بطبعها كخدمة للمواطينين علاوة على أنها ستحد من عدد القضايا الكيدية المنظورة وتخفيف العبء على القضاة .
من جانبه قال المستشار عبد الستار إمام رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس نادى قضاة المنوفية ، أنه لا يجد مانعا فى زيادة الرسوم القضائية بالشكل المناسب لكنه غير موافق على الزيادة المبالغ فيها بشكل يعيق حق المواطن فى التقاضى والذى كفله له الدستور، حيث لا يجب أن يضع المشرع معوقات أمام المواطنين فى التقاضى.
وأضاف "إمام" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الرسوم القضائية يجب أن تكون فى متناول الجميع وليس حكر على من لديهم المال فقط ، مؤكدا على أن من يرى أن زيادة الرسوم سيحقق العدالة الناجزة التى ينشد اليها الجميع فان هذا غير صحيح وهناك حلول كثيرة وبدائل لتحقيق العدالة الناجزة والحد من عدد القضايا المنظورة امام المحاكم ومنها تيسير إجراءات القاضى من خلال زيادة عدد القضاة وعدد الدوائر وتحسين دور المحاكم وتعديل القوانين والتشريعات وذلك لتخفيف العبء على المحاكم أما زيادة الرسوم بشكل مبالغ فيه فهو أمر يعرق ذلك.
وأردف قائلا: الدولة هى الكفيلة بعلاج القضاة والمستشارين وليس على حساب المواطنين الذين يرغبون فى التقاضى الذى منحهم إياه الدستور.
وهو نفس الأمر الذى أكده صابر عمار، الفقيه القانونى وعضو لجنة الإصلاح التشريعى، فى رفضه لهذه الزيادة حيث قال إنه أعد مذكرة قانونية بمخالفة هذه التعديلات للدستور وأثارها السيئة المترتبة على زيادة الرسوم القضائية والتى تم تقديمها إلى لجنة حقوق الانسان بالبرلمان موضحا بان الحكومة سبق وأن تقدمت إلى لجنة الاصلاح التشريعى بتعديلات على أحكام القانون 36 لسنة 1975 والخاص بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المدنية والعسكرية بزيادة 10 جنيهات على كل ورقة تستخرج من المحاكم لصالح هذا الصندوق إلا أن اللجنة رفضت هذه التعديلات لما يمثل عبء كبير على المواطنين.
وأضاف "عمار" فى تصريحات خاصة للـ"اليوم السابع" ، انه فوجئ فى ظل ازدحام أجندة العمل التشريعى للبرلمان، قيام اللجنة التشريعية بالبرلمان بمناقشة التعديلات، وكأنها مخصصة للقضاء العسكرى فقط رغم شموله كافة الجهات القضائية المدنية والعسكرية، وتم الموافقة عليها فى 16 يوليو الجارى.
وأوضح أن مذكرته التى تقدم بها إلى لجنة حقوق الإنسان أكدت على أكثر من مبدأ ومن أبرزها التأكيد على دعمه لأعضاء الهيئات القضائية وضرورة ضمان توفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم باعتبار ذلك التزاما على الدولة ، ولا ينبغى نقل هذا الالتزام عبء جديد على المواطنين الذين يرزحون تحت نيران الأسعار فى كل مجالات الحياة اليومية فضلا على تأكيده على ما أشار إليه الرئيس السيسى من عدم تحميل الشعب بأعباء أضافية قبل "أن يتضمن زيادة ما فى جيويهم" بتعبير الرئيس فى اجتماعه مع أعضاء لجنة الإصلاح التشريعى.
كما أكدت المذكرة على تحفظ لجنة الإصلاح التشريعى على مشروع القانون برمته أو أى مشروع قانون من شأنه زيادة الأعباء على المواطنين مشيرا إلى أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت العديد من أحكام التى انتهت فيها إلى عدم دستورية الطوابع والتمغات التى تصدرها الصناديق الخاصة أو النقابات فضلا عن أن المشروع استخدم عبارات مطاطة فى أن "كافة الأوراق التى تقدم إلى المحكام على اختلاف درجتها.. أو الشهادات التى تستخرج من هذه الجهات والهيئات والتى لا تخضع لقوانين الرسوم "دون تحديد لهذه الأوراق وهى متعددة وغير قابلة للحصر وتترك فى النهائية لأقلام الكتاب ".
واقترح "عمار" فى مذكرة الإصلاح التشريعى إلى ضرورة البحث عن بدائل مناسبة لدعم صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للهيئات القضائية كأن يخصص لهم نسبة قدرها 10% من حصيلة قانون الرسوم القضائية والتى تعد هى الأخرى ضخمة وأصبحت أهم معوقات التقاضى، أو نسبة 10% من حصيلة غرمات المرور أو إلغاء قانون لجان فض المنازعات عديمة الجدوى .
وطالب فى المذكرة بضرورة عرض هذا القانون على نقابة المحامين لاستطلاع رأيها فيه عملا لنص المادة 77 من الدستور حيث يعد هذا القانون شأن من شئون المحامين لتأثيره على عملهم .
موضوعات متعلقة ..
"حصر أموال الإخوان" تتحفظ على آخر فرع من فروع مركز "رؤية" الطبى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة