السؤال يتجدد كل عام فى ذكرى الثورة، ومن الطبيعى أن تجد المتضررون من الثورة فى الخندق الذى يهاجمها ويكرهها كراهية التحريم، لكن ليس من الطبيعى أن تجد شخصا ارتقى علميا ووظيفيا وأدبيا بسببها ثم يقف فى نفس خندق كارهيها، لا يقف فى خندق الناقد المحب المنتمى إلى أهدافها الوطنية النبيلة، وإنما يختار الضد لها وكأن هذه الثورة حرمته من الباشوية والثراء الذى كان ينتظره.
أسوأ ما فى هذه الحالة أن معظم أصحابها يقفون على أرضية معرفية شديدة السطحية، لا تجدهم مثلا يتحدثون باحترام عن متغيرات جوهرية طرأت فى العالم كله، وبالتالى لا يمكن استنساخ تجربة تاريخية مضت، يجهلون فى حديثهم أن ثورة 23 يوليو جاءت كاستجابة طبيعية لتحديات مطروحة وقتئذ حيث وصلت المرحلة التى سبقتها إلى انسداد سياسى واجتماعى شامل كان لابد من كسره، وخير دليل على ذلك هتافات المظاهرات: «أين الكساء يا ملك النساء» فى دلالة على فجور فاروق وفساده، وحرمان الفقراء حتى من الملبس الطبيعى.
المصيبة أنه مع تباعد الأيام لم تعد الحقائق والوقائع التاريخية الدامغة هى الأساس فى تبنى الموقف الصحيح فى هذه القضية، خاصة للأجيال التى لم تعاصر المرحلتين، مرحلة الملكية ومرحلة ثورة 23 يوليو، نجد مثلا آراء تتشكل لمجرد صور يتم نشرها عن بعض شوارع القاهرة الخالية النظيفة فى الأربعينيات والثلاثينيات من القرن الماضى، وكأن هذه الشوارع هى كل مصر، وفى المقابل لا يتم الالتفات إلى صور قرى مصر التى كانت تعج بالفقر والمرض، ويسير فيها الحفاة.
يتحدثون مثلا عن ديمقراطية ويتجاهلون أنها كانت ديمقراطية «الكيلو متر مربع» والتعبير هنا للكاتب الكبير محمود عوض، ويقصد به أن المتحكمين فى اللعبة السياسية كانوا يتجاورون بدءا من القصر الملكى فى عابدين ثم السفارة الإنجليزية فى جاردن سيتى كسفارة احتلال لمصر.
يتجاهلون مثلا فى أحاديثهم عن هذه المرحلة أنها هى التى شهدت أكبر نكبات عروبتنا وهى تأسيس دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948، وهناك الكثير مما يقال، وما كنت أود التعرض له فأمامنا من معارك الحاضر ما يكفى، لكن أمام تزييف التاريخ سأتوقف غدًا أمام الملك فاروق الذى يحن له البعض.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة