عمرو جاد

شجاعة لا يملكها محافظ البنك المركزى

الإثنين، 25 يوليو 2016 07:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شىء أكثر ضررًا على قيمة الجنيه المصرى من المناورات الفاشلة للسيد طارق عامر محافظ البنك المركزى، التى تشبه محاولة إنقاذ البيت من الهدم بالعبث فى قواعده دون دراسة، فتجار العملة وإن كانوا سحرة فطارق عامر ليس النبى موسى، وأساليب الحواة لن تصمد فى مواجهة صراع مع أكبر شبكة مصالح رابحة فى العالم، فتجارة "فارق العملة" فى مصر لم تعد قاصرة على سوق سوداء تحكمها عصابة من المنتفعين فقط، إنما امتدت لتستفيد من أزمة انحسار الأخلاق التى يعانى منها المجتمع، فالمواطن العادى أصبح شريكا فاعلا داخل هذه السوق فى كل مراحل تعاملاته المالية سواء السفر للخارج أو الاستيراد أو حتى التفكير فى المستقبل بـ"الاكتناز" وتخزين الدولارات أملاً فى استمرار حالة الجنون.

يهوى صناع القرار الاقتصادى فى أى بلد مسألة تحرير العملة لكونها تضمن تنافسية أعلى وتجهض الأسواق السوداء، لكن يظل السياسيون على مخاوفهم من كل حديث عن خفض العملة أو تعويمها، وهذا ما يحدث مع الجنيه المصرى، ففى الغالب لا يعبر التناقض فى تصريحات محافظ المركزى عن شخصية الرجل، بقدر ما هى رسائل متناقضة يتلقاها من جهات مختلفة داخل الدولة، أكثرها حسما هى الرسائل السياسية التى تضع فى اعتبارها تقديرات عن آثار مستقبلية سيئة لقرار خفض العملة، فما بالك بتعويمها .

أكثر ما تخشاه الإدارة المصرية من تبعات تعويم الجنيه، هو الارتفاع المفاجئ للأسعار بشكل مبالغ فيه، قد لا يستوعبه المستهلك المصرى فى غياب واضح للرقابة، الحقيقة تقول إن كل يوم هناك ارتفاع فى سلعة ما بسبب أو بدون، وبحسبة بسيطة فلو كانت الحكومة حررت سعر الصرف منذ عام وحدثت صدمة الأسعار لاقتربت من مستواها الحالى، الآن الدولار يباع بما يزيد على 13 جنيهًا فى السوق السوداء ومنذ عام بالضبط كان يباع بـ8.10 جنيه، بينما سعره الرسمى كان حينئذ 7.63جنيه، اليوم يساوى رسميًا 8.88 جنيه، ربما لو تحرر الجنيه من وصاية الحكومة قليلاً منذ ذلك الحين لم يكن الدولار ليصل هذا المستوى، وعلى أسوأ الاحول سيصل إلى 15 جنيهًا وهو ما ننتظره خلال أيام معدودة.

وعلى مستوى المواطن العادى فإن خوف الحكومة عليه من الارتفاع المفاجئ للأسعار لم يحميه من موجات الغلاء المتلاحقة، الآن مستوى التضخم يقترب من 15% يقابله ارتفاع يصل إلى 40% فى أسعار بعض السلع، أى مستقبل تنتظرونه لهذه الأسعار إذن؟ .

لا أحد ينكر حدة الصدمة لكنها وجع ساعة أفضل من عذاب سنين، وسيظل فى يد الحكومة الوسائل التى من شأنها أن تخفف حدة الآثار السيئة للقرار، بالاعتماد على منافذ البيع التابعة لها وتدعيم شبكة المجمعات الاستهلاكية، واتخاذ إجراءات قد يعتبرها البعض احتكارية لكنها ضرورية لظرف استثنائى.

فى الغالب، لا يمتلك أي من المتحكمين فى مصير الجنيه المصرى، الشجاعة لحسم هذا الأمر سريعًا، فالحفاظ على الجنيه قويًا وتوفير العملة الأجنبية يستدعى من الاقتصاديين حلولاً إبداعية تسهم فى زيادة الاستثمارات ودوران أسرع لماكينة الاقتصاد ورقابة قوية على الأسواق دون الإخلال بالتنافسية، كما يستلزم من السياسيين شفافية وبيئة تشريعية مستقرة وتصريحات متوازنة.. الآن كل ذلك ليس متوفرًا بالشكل الكافى، فالأولى بالاقتصاديين أن يعرفوا بحتمية الدواء المر إما أن يعوم الجنيه أو تغرق البلد بأكملها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة