وإلى هذه اللحظة ما زال هذا التل- الذى وقف عليه الصغير- فى إسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه يتأمَّلون موضع هذا المَلِك الذى أضاع مُلكاً أسسه الأجداد، ويُعرف (هذا التل) بـ«زفرة العربى الأخيرة»، وهو بكاء أبى عبدالله محمد الصغير حين ترك ملكه.
ومن أخذ البلاد بغير جهد / يهون عليه تسليم البلاد
فكان سقوط الأندلس فى الثانى من شهر ربيع الأول سنة 897هـ– 2 من يناير سنة 1492م، وقد مر على سقوطها 538 سنة.
وهاجر بعدها أبو عبدالله الصغير إلى بلاد المغرب الأقصى، واستقر بفاس، وبنى بها قصوراً على طراز الأندلس، وكانت ذريته بعده يعدون من جملة الشحاذين.. إنها عاقبة الذل والخيانة. انطوت صفحة عظيمة من التاريخ، وانتهت حضارة وصلت إلى أوج ازدهارها، وخسر العالم حضارة الدين والدنيا فى الأندلس، وارتفعت راية النصرانية على أرضها، وغربت شمس حكم المسلمين هناك بسبب مخالفة سنن الله فى استمرار الأمم ورقيها، فأصبحت حضارة الأندلس حصيدا حصدته سنن التاريخ جزاء وفاقا.
إن وجود المتخاذلين والمنافقين والخائنين فى صف المجاهدين لا مناص منه، وكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم مليئان بتحذيرنا من هذه العناصر المريضة، وواجب الأمة أن تأخذ حذرها منهم وإذا ظهر منهم ما يسوؤها وجب أن تطهر صفوفنا منهم حتى لا يكونوا منفذاً للهزيمة والوبال.
وفى فترات ضعف الأندلس إلى سقوطها كان من أسباب ذلك كثرة الخيانات والتخاذل، فهذا الإمام أبوالوليد الباجى- رحمه الله- يدعو ملوك الطوائف إلى الوحدة لمواجهة الخطر النصرانى الذى يهدد وجود المسلمين فى الأندلس، لكنهم رغم ترحيبهم به وبدعوته تخاذلوا عن الدفاع عن حمى المسلمين؛ لأن حب الدنيا الذى تربع على عرش قلوبهم أصماهم وأعمى أبصارهم، وزادت النزاعات بينهم حتى وصلت إلى القتال، ما دفع بأعدائهم للتجرؤ عليهم واستباحة أراضيهم وأعراضهم، فهاجم «فردلند» مدينة بازو فقتل أهلها وانتهك أعراضها وأخذ الباقى أسرى فى سنة 449هـ، بل وصلت الخيانة ببعضهم إلى أن رأى إخوانه والعدو يحاصرهم لا يحرك ساكناً ويرفض نصرتهم ومساعدتهم، كما وقع لما راسل المظفر بالله أخاه المؤيد بالله، بل أرسل إلى كل دويلات الأندلس يطلب المدد وفك الحصار عن المسلمين، لكن للأسف لم يجبه أحد.
هكذا كان للخيانه دور رئيسى فى ضياع الأندلس وفى الغد نتواصل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة