انتهى رمضان، وكاد الجمهور أن ينسى أحداث مسلسلاته، حتى الصحافة كفت حديثها عن المسلسلات، أيها الأنجح وأيها الأسوأ، وأخذ كل فنان ممن شاركوا فى هذه المسلسلات حظه من المدح أو الذم، وتفرقت أحاديث العوام بين حديث فى السياسة والغلاء والدولار والفن وأفلام العيد وسيارات محمد رمضان.
ورغم هذا فلا يمكن ولا يجب أن نترك سمرقند منسية دون أن نتحدث عنها أو نشير إليها، لأنها تستحق التوقف أمامها طويلاً، أما سمرقند فهو اسم أحد بلاد ما وراء النهر كما كان يُطلق عليها العرب المسلمين قديما، وهى منطقة تقع فى آسيا الوسطى وتشمل مناطق من أفغانستان وإيران وكازاخستان وتركيا وبعض من دول روسيا القديمة.
وسمرقند أيضا هو عنوان لرواية كتبها الأديب اللبنانى الفرنسى أمين معلوف صدرت باللغة الفرنسية ويحكى فيه عن الفترة التاريخية التى عاش فيها الشاعر والفيلسوف وعالم الفلك عمر الخيام.
وأخيرا وليس آخرا سمرقند هو اسم المسلسل الذى كتبه محمد البطوش وأخرجه الأردنى إياد الخزوز، ابن بلدة الكاتب، وقام ببطولته عابد الفهد السورى ويوسف الخال اللبنانى وميساء مغربى المغربية وأمل بوشوشة الجزائرية، وآخرون من مختلف الأقطار العربية، وإن لم يشارك فيه ممثلون مصريون فإن مونتاج المسلسل تولاه الشابان المصريان أحمد شحم ووجيه أحمد.
عُرض المسلسل فى رمضان على استحياء، فقد هزمته حتى حين مسلسلات أعلى صوتا وأكثر ضجيجا، وأكثر إلحاحا فى العرض، ولكن هذا مسلسل عظيم ليس لأنه سيعجب هؤلاء الذين بهرهم حريم السلطان التركى، ولا لأنه يحمل دراما قوية وديكورا وموسيقى تصويرية، وإخراج وأداء وتصوير عظيم، فكل هذا فيه وأكثر، ولكن لأنه رغم غوصه فى التاريخ البعيد فإنه يحمل كثيرا من الحداثة فى موضوعه.
«لا يمكنك أن ترتقى صهوة السلطة فى بلاد العرب إلا إن لبست ثوب الواعظين بسيف قاطع» تلك هى الجملة التى تبدأ بها كل حلقة من حلقات سمرقند بصوت فهد عابد الذى يقوم بدور حسن الصباح، أما الحكاية فهى تبدأ فى عصر اضمحلال الدولة العباسية وتفرق العرب وسيادة دولة السلاجقة وملكهم ملكشاه الذى كان يحكم من عاصمة ملكه أصفهان، وتدور الأحداث حول علاقة الملك بزوجتيه زبيدة وتركان وصراعهما على كرسى الحكم والملك بالسحر وألاعيب النساء، ثم عن ظهور عمر الخيام العالم والشاعر والفيلسوف وعلاقته بوزير ملك شاه تاج الملك، ثم أخيرا نشأة جماعة الباطنية التى قادها حسن الصباح التى عُرفت بالحشاشين وجاءت منها كلمة Assassin التى تعنى الاغتيال بالإنجليزية نسبة إلى الرجل الذى أسس أول جماعة تقوم بالاغتيالات السياسية وتتخذ الدين ستارا لكل قتل أو سرقة أو جريمة.
المسلسل يحكى عن كل هؤلاء وأطماعهم، ولكن الجانب الأهم فيه هو كيف يمكن لشخص أن يستغل الدين فى تخدير عقول الشباب، وكيف يمكن أن يمهد حكم لاه وغير عادل لهذا الاستغلال، فالكل فى المسلسل مسلمون يتحدثون باسم الدين ويحكمون برايته.