حضر العاهل الأردنى الملك عبدالله اجتماعا عربيا وزاريا فى قصر «رغدان» بالعاصمة الأردنية عمان، كان يترقب مواجهة مع الحاضرين بسبب دوره فى حرب الجيوش العربية ضد العصابات الصهيونية التى بدأت فى مايو 1948.
وقائع هذه المواجهة، تأتى فى الجزء الثانى من كتاب «العروش والجيوش- يوميات حرب فلسطين 1948» تأليف، محمد حسنين هيكل «دار الشروق- القاهرة»، وتكشف الجانب الخفى من الاتفاقات السرية العربية مع القيادات الصهيونية التى أسهمت فى هزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية، مما أدى إلى قيام إسرائيل، وحسب «هيكل»، فإنه بعض مضى قرابة أسبوع من بدء الحرب «منتصف مايو»، لم يكن على الساحة فعلا وعملا غير جيشين، كل واحد منهما ينتسب إلى عرش: العرش الأردنى- العرش المصرى، وقبل نشوب المعارك فى فلسطين بسنتين أو ثلاثة، وبعد نشوب المعارك فى فلسطين بأسبوعين أو ثلاثة، كان الجيش الأردنى هو موضع اهتمام واضعى الاستراتيجية اليهودية والإسرائيلية، ومحط التركيز الأهم والأخطر، والدواعى لذلك كثيرة من بينها صلات توثقت بين العرش الأردنى، مع الوكالة اليهودية قبل قيام الدولة «إسرائيل» وبعد قيامها، واجتمع الملك عبدالله فعلا مع ساسة عسكريين يمثلون المشروع اليهودى الصهيونى، وكان بينهم، قبل نشوب المعارك، وبعدها، شخصيات من أمثال «حاييم وايزمان» و«إلياهو ساسون» و«جولدا مائير» و«موشى ديان» وغيرهم، وكانت نقطة الاتفاق فى كل هذه اللقاءات أن يحصل الملك على الجزء المخصص للعرب بمقتضى قرار التقسيم.
فى مجريات الحرب يأتى «هيكل» بوقائع عديدة تقود إلى أن القادة العرب تيقنوا من أن «الملك يتحرك بتنسيق كامل مع إسرائيل»، وحسب هيكل، توقع عبدالله أن يقود «عبدالرحمن عزام باشا» أمين عام جامعة الدول العربية عاصفة ضده فى الاجتماع الوزارى العربى فى مثل هذا اليوم «28 يوليو 1948»، ودارت وقائع الاجتماع على النحو التالى:
فور فتح الملك للجلسة «على بركة الله» قال مهاجما: «إن العرب سارعوا إلى الحرب على عكس ما نصحهم به من أن هذه مشكلة لا يحلها السلاح، وعلى فرض أنه كان يحلها فقد دخلوا إلى الحرب وليس عندهم ما يكفيهم للقتال أو ما يصلح للقتال، وإن العرب لم يساعدوا الجيش العربى «بما وعدوا به»، والنتيجة أن الجيش العربى واجه موقفا بالغ الصعوبة، خصوصا أن الحكومة البريطانية «أبلغتنا» أنها من وقت «اشتراكنا معكم» سوف توقف أقساط المساعدة التى تقدمها للجيش، واستطرد «الملك» يقول، إن جيشه قاتل بشرف، وكان الجيش الوحيد الذى حاول بكفاءة تحقيق أهداف الخطة المشتركة، رغم «تقولات وتخرصات» بعض العرب عليه بسبب قيادته الإنجليزية «كان جلوب باشا الإنجليزى قائدا للجيش الأردنى»، ولم يتوقف الملك عند ذلك، بل وضع الملح على الجرح حسب وصف هيكل وقال: «لقد نصحتكم ولم تنصحوا، وتركتم» الرعاع «من الناس يحركوكم إلى مالم تكن لديكم جاهزية له».
شارك وزير الخارجية المصرى «أحمد محمد خشبة باشا» فى الاجتماع ومعه القائم بالأعمال المصرى فى عمان السفير «كمال الدين صلاح»، وفى تقريره حول الاجتماع قال، إن عبدالرحمن باشا عزام تحفز للرد على الملك «وكيل الصاع الصاعين»، لكن «محمد مهدى كبه» سبق إلى الرد قائلا: «كيف يا جلالة الملك تقول لنا إن الدول العربية أرسلت جيوشها إلى فلسطين على عكس ما نصحتم به إننى قرأت بعينى هاتين «أشار بسبابته نحو عينيه» رسالة مكتوبة منكم إلى رئيس وزراء العراق تقولون فيها: «البدار البدار، بإرسال جيشكم إلى عندنا لإنقاذ فلسطين وإلا فلا تلومن إلا أنفسكم».
بدا الغضب على وجه الملك، واعترف بأنه أرسل تلك الرسالة فعلا، ولكنه طلب جيوشا مجهزة بعتادها ولم يطلب جيوشا «لا تدل على عسكريتها غير كسوتها»، ورد رئيس مجلس النواب العراقى: «ولكن يا جلالة الملك نحن بعثنا الجيش إلى عندكم هنا بسلاحه وعتاده، وقد رأيتموه وعرفتم ما عنده، وإذا كان ما عنده لا يرضيكم فلماذا أعطت قياداتكم لهذا الجيش أوامر بالتحرك إلى الميدان، وسلمت إليه مواقع واعتبرته جزءا من حشدها وعنصرا فى خطتها»، وزاد ضيق الملك فرد بقوله: «الآن لا تجدون من تلومونه غيرنا، وكنت أعرف من البداية سوف تلقون اللوم كله على قيادتنا العسكرية وجلوب باشا المسكين، حاول أن يخدمكم أيها العرب، ولكنكم كالعادة لا تفرقون بين عدو وصديق، خيركم للعدو وبأسكم على الصديق».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة