فى الماضى كانت السعودية تتجنب الدخول فى حوارات خاصة بأمن البحر الأحمر، خوفا من الصدام أو التحاور المباشر مع إسرائيل، ولم تتحرك إلا حينما اشتدت القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية، قبل ثورات الربيع العربى، وحاولت أن يكون لها دور فى التحركات الدولية والإقليمية الساعية وقتها لمواجهة القرصنة، لكن الوضع الآن يبدو أنه اختلف بعض الشىء، فالسعودية بعد تعيين الحدود البحرية بينها وبين مصر، التى سيتبعه عودة سيطرة المملكة على جزيرتى تيران وصنافير، أصبحت السعودية مجبرة على الدخول فى حوارات مع إسرائيل على الأقل خاصة بأمن البحر الأحمر، فهى بالوضعية الجديدة أصبحت فى مواجهة إسرائيل.
هذا يقودنا إلى فكرة وهى، هل نحن مقبلون بالفعل على آلية جديدة لإنشاء تعاون إقليمى لحفظ أمن البحر الأحمر تكون إسرائيل عضوا فيه، وهل نحن فى حاجة لمثل هذه الآلية، وماذا سيكون موقف مصر من هذه الآلية إذا طرحت، خاصة أن الحديث عنها بدأ يتجدد هذه الأيام فى كواليس الدبلوماسية الإقليمية، التى تحاول تطوير المقترح الذى سبق وقدمه رئيس إريتريا أسياس أفورقى فى 2005، حينما عرض على مصر بقوتها والسعودية بموقعها عقد لقاء لدول البحر الأحمر، للحفاظ على أمن البحر الأحمر، لكن هذا المقترح لم ينفذ إلى الآن ربما بسبب إسرائيل ووضعيتها فى هذه اللقاءات؟
الأحاديث الآن فى دوائر مغلقة تسير فى اتجاه أن الحاجة ملحة لمثل هذه الآلية لمواجهة التهديدات التى تحيط بالبحر الأحمر، وقد بدأت إريتريا الترويج مرة أخرى لمقترحها السابق، وربما شجعها على ذلك التقارب البادى الآن بين السعودية وإسرائيل، فضلاً عن استمرار الأزمة اليمنية، والخوف من أى تحركات مستقبلية من جانب الحوثيين للسيطرة على مضيق باب المندب، أو تهديد مصالح الدول المطلة على البحر الأحمر، ولا ننسى أيضا أن أمن البحر الأحمر لايزال يواجه تحديا حاليا خاصة فى منطقة الجنوب، بعد استمرار وجود سفن عسكرية تابعة لقوى أجنبية بدعوى محاربة القرصنة، فضلا عن الاضطرابات المستمرة فى اليمن. وجود مثل هذه الآلية من وجهة نظرى مهم، خاصة أن هناك سوابق مثل تعاون الدول المطلة على البحر المتوسط فى برامج متعددة، حتى وإن لم تحقق المطلوب منها بشكل كامل، لكنها مثلت تغيرا مهما يمكن البناء عليه فى إنشاء آلية البحر الأحمر، مع تجنب السلبيات التى وقعنا بها فى البحر المتوسط، لكن يبقى السؤال: هل تقبل الدول العربية وجود إسرائيل بداخل هذه الآلية؟ فاذا وافقت السعودية والأردن فهل ستوافق مصر واليمن والسودان وجيبوتى؟ وهل يمكن اللجوء لحل آخر بأن تجلس مصر والسعودية وإريتريا واليمن والأردن وجيبوتى والسودان، لتتفق على آلية للمحافظة على السلم والأمن فى البحر الأحمر من دون إسرائيل؟
بعيدا عن الشكل الإجرائى رغم أهميته، فمن الضرورى تأكيد أهمية خلق قدرة إقليمية للتكامل بين دول البحر الأحمر، لتكون جزءًا من المصالح العالمية، سواء أمنيا أو اقتصاديا، خاصة فى ظل التدخلات التى اعتدنا أن نراها فى البحر الأحمر طيلة السنوات الماضية تحت ذرائع مختلفة، منها مكافحة الإرهاب والقرصنة، وأمور أخرى تكشف عن نوايا خارجية لضرب أمن واستقرار الدول المطلة على البحر الأحمر، لذا فمن المهم أن تكون هناك آلية فعالة لأمن البحر الأحمر، على الأقل تبدأ أمنيًّا للحفاظ على استقرار دول المنطقة، على أن تدعهما فى مرحلة لاحقة آليات اقتصادية تسمح بتعاون تجارى واستثمارى، وتتيح حرية الانتقال للسلع والأفراد بين دول المنطقة، بشكل يصل بنا فى النهاية إلى إعادة ترتيب الأوضاع فى البحر الأحمر، وتحويله إلى منطقة جذب تجارى واقتصادى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة