تحدثت بالأمس عن الحاجة لإنشاء آلية جديدة للدول المطلة على البحر الأحمر، واليوم فإننى أطرح فكرة أخرى مرتبطة بالأمن القومى المصرى، وهى عبارة عن إنشاء آلية جديدة لحوض النيل لا تضم كل دول الحوض، وإنما تشمل مصر والسودان وإثيوبيا، ومن الممكن أن تضم هذه الآلية دولة جنوب السودان، إذا كان هناك تفكير فى توسيعها تدريجيا مستقبلاً.
أتحدث هنا عن آلية وليس مبادرة، فمبادرة حوض النيل، التى تضم مصر والسودان وأوغندا وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية، وبوروندى وتنزانيا ورواندا وكينيا وإريتريا، أصبحت الآن فى حكم العدم، لعدة أسباب منها توقيع غالبية هذه الدول على اتفاق عنتيبى، الذى لا يعترف بالحقوق التاريخية لدولتى المصب فى المياه، كما أن الدول الثلاث، التى أقترح أن يكونوا نواة للآلية الجديدة يجمعهم الكثير من الصفات المشتركة، ويمكن البناء عليها لتحقيق مصالح تستفيد منها المنطقة بشكل عام، وليس الدول الثلاث فقط، أخذاً فى الاعتبار أن 85% من مياه نهر النيل، التى تصل إلى مصر والسودان، تأتى من النيل الأزرق بإثيوبيا، بما يؤكد أن شريان الحياة فى الدول الثلاث واحد، بالإضافة إلى أن فرص التنسيق بين الدول الثلاث أكبر، خاصة إذا تم استغلال التفاهم الجارى حاليًا بين قادة الدول الثلاثة.
أتحدث عن آلية بين الدول الثلاث تستهدف التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات حول تحقيق تنمية مستدامة سياسيًا واقتصاديًًا واجتماعيًا، وزيادة أطر التعاون الاقتصادى، من خلال استغلال الطاقات والموارد المتوفرة فى كل منهم، فعلى سبيل المثال يمكن أن تتوصل الدول الثلاث ضمن هذه الآلية لاتفاق على إنشاء مشروع أمن غذائى يشمل الزراعة واستغلال الثروة الحيوانية المتوفرة بكثرة فى إثيوبيا والسودان، ومشروع آخر للربط الكهربائى.
بالطبع لا يخفى على أحد الأزمات، التى ظهرت على سطح العلاقات المصرية الإثيوبية بعد إعلان أديس أبابا عن تنفيذ مشروع «سد النهضة» دون الأخذ فى الاعتبار المخاوف المصرية المتعلقة بأمنها المائى، وما تلى ذلك من محاولات زرع الثقة، التى قامت بها مصر، خاصة بعد انتخاب الرئيس السيسى، بعد النتيجة الكارثية، التى أعقبت الاجتماع، الذى عقده الرئيس المعزول محمد مرسى، وأذيع على الهواء واحتوى على خطط وتهديدات تحدث بها سياسيون حضروا هذا الاجتماع، الذى استغلته إثيوبيا جيدًا لحشد الرأى العام الدولى ضد مصر، وإنها تخطط لضربها، لكن من جهة أخرى يمكن البناء على وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة، التى وقع عليها قادة الدول الثلاث بالخرطوم فى ديسمبر 2015، كأساس لهذه الآلية، فرغم أنها مقتصرة على وضع أطر للتعامل مع أزمة سد النهضة، لكنها وضعت أسسًا للحوار والتفاهم يمكن تطويرها مستقبلاً إلى آلية للتعاون المستمر.
هناك من يقول إن مثل هذه الآلية لن تجدى نفعًا فى ظل التعنت الإثيوبى ضد مصر فى مسألة سد النهضة، ويحاول هؤلاء طرح سيناريوهات بديلة للتعامل مع إثيوبيا، لكن يبقى الحل من وجهة نظرى هى اتباع سياسة الاحتواء وعدم التصعيد، وأن نعلى من شأن المصالح المشتركة.
هذه الآلية من وجهة نظرى مطلوبة سياسيًا أيضًا خاصة فى ظل الأوضاع المتوترة فى القرن الأفريقى، وهو ما يستدعى العمل على ضرورة إعادة التوازن فى هذه المنطقة الهامة، ولن يكون ذلك إلا من خلال تقوية الصومال ومعها إريتريا، وهذا الأمر لن يتم إلا من خلال الآلية المقترحة خاصة ونحن نعلم مستوى التأثير الإثيوبى فى المسألة الصومالية، كما أن لخلافات أديس أبابا مع إريتريا تأثيرا سلبيا على أمن واستقرار المنطقة، وهو ما يحتاج منا لمجهود كبير للتوصل إلى تفاهمات تعيد التوازن مرة أخرى لمنطقة القرن الأفريقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة