لماذا يعود الروس لتركيا ونحن لا؟
يبدو البعض مندهشا وهو ينظر لقرار روسيا بإعادة السياحة إلى تركيا، فى وقت الانفجار بمطار أتاتورك، ويضرب بعض المنهشين كفا بآخر وهم يتساءلون عن السبب الذى يجعل روسيا تعيد السياحة لتركيا، وبينهما صراع كاد يصل إلى الحرب المباشرة، بينما يتأخر القرار الروسى بإعادة السياحة لمصر منذ سقوط الطائرة الروسية، بالرغم من كل الإجراءات التى اتخذتها مصر.
السياسة قد تفسر جزءا من هذا اللغز، لكن المصالح هى ما يحكم الفهم لمثل هذه الإجراءات، الرئيس التركى أردوغان كما هو معروف، رجل لا يعترف بغير المصالح، وينقلب على تحالفاته بشكل دائم ومن دون أى اهتزاز، وقد سعى أردوغان إلى ترضية موسكو وبوتين، فيما يشبه الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا، ويأتى هذا فى ظل تنسيق أمريكى روسى لا يخلو من تبادل التصريحات المتعارضة.
من شهور وتركيا تتقارب مع روسيا، وتقدم ترضية عن إسقاط طائرة عسكرية روسية، روسيا تعيد فتح مكاتب السياحة التركية بمناطقها، هناك مئات الشركات التركية السياحية تعمل فى روسيا ودول الاتحاد السوفيتى السابق، وهذه الشركات تلعب دورا فى التقارب، وتضغط لتحسين العلاقات، بل إن الشركات التركية فى السياحة تسيطر على السياح الروس إلى مصر ودول المنطقة، بينما الشركات المصرية تكتفى بتلقى ما يرسله الأتراك.
الشركات التركية محترفة وتعرف مصالحها، ولهذا يمكن تفهم السبب الذى جعل روسيا تقرر إعادة السياحة لتركيا والقرار متزامن مع تفجيرات مطار أتاتورك، لأن الشركات الروسية هى الأخرى تتضرر من تراجع السياحة.
وهذه العوامل تنهى دهشة التساؤل: لماذا تعيد روسيا السياح إلى تركيا وتعطل إعادتهم لمصر؟ تنشط غدد التحليلات التى تكتفى بالمؤامرة، من دون التعرف على حجم الأسواق السياحية التى تسيطر عليها الشركات التركية، وتكاد تحتكر السياحة فى روسيا ومصر، بل إن بعض الشركات الروسية تشكو من احتكار الأتراك للأسواق. ويعرف بعض خبراء السياحة أن الأتراك شطار فى هذا المجال، وأنهم يشترون الغرف فى مصر بأسعار منخفضة وفى أوقات الأزمات، ويحققون أرباحا جيدة، بينما لا توجد شركات مصرية تنافس فى السوق الروسى أو الأوروبى، الشركات المصرية لا تنفق ولا تستثمر فى التسويق السياحى، وتكتفى بالعمل تحت ضرس الشركات التركية التى نجحت خلال سنوات فى احتكار السوق الروسى بل والسوفيتى السابق.
من هنا يمكن قراءة المشهد وتفهم تعقيداته وخيوطه ومصالح أطرافه، ليس فقط من باب السياسة، وحتى هذا الباب فإن الأتراك يسعون لفتحه والتعامل مع كل عناصره، لكن أيضا من باب المصلحة التى تحكم كل الأطراف، فى السياسة والاقتصاد، وتتجاوز الصدمة والدهشة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة