تسعى الحكومة المصرية لاقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد ، فى مدة سداد تقترب من خمس سنوات ، والضمانات التى تعتبرها الحكومة سلاحها فى التفاوض ، تتلخص فى حزمة إصلاحات سريعة وتدفقات استثمارية متوقعة ، ووسط كل هذا الزحام نسيت أو تناست أن تمهد للشعب أولا وتشرح له كيف ستحصل على هذه القروض ولماذا ومتى وكم فائدتها وكيف ستسددها فى هذه الفترة القصيرة ، ستنتظر فقط حتى يبدأ الناس بحسن نية أو بسوء ، فى الحديث عن حكومة القروض التى ستغرق البلد حتى أذنيه فى الأقساط .
وأنت تجلس مع بعثة صندوق النقد تذكر أن الاقتصاد لا تصلحه النوايا الطيبة أو مانشيتات الصحف، تذكر أيضا أنك لست مثل الأرجنتين التى بنت اقتصادا وطنيا رغم أنف الدائنين وعلى رأسهم هذا الصندوق ، وبالمرة تذكر وأنت تعدد للبعثة مزايا الاستثمار فى السوق المصرى ، أن تضع فى اعتبارك هؤلاء الذين يكرهونك ولا يريدون لهذا لبلد أن يستمر ، وأيضا هؤلاء الذين تتسع أمامهم مساحات الأمل فى كل ساعة تمر على مصر دون أزمة أو بادرة انهيار ، ويبدءون فى حساب ما سيجنونه فى المستقبل .
هذا الأمل فى المستقبل هو الذى يجعل الدول تُلزم نفسها بأعباء مالية لا تستطيع تحملها نظريا ، فالدول التى تضع خطط إصلاح محكمة وإبداعية للاقتصاد تستطيع التعهد بالسداد ، والحكومات الرشيدة هى التى تعرف متى تبدأ الاقتراض وكيف تنفطم منه..للأسف هذا لا يبدوا واضحا بشكل قاطع فى حكومات مصر ما بعد الثورة وقبلها ، وهو أمر مثير للقلق أكثر بالنسبة لنا نحن الجيل الذى ورث الصبر على أخطاء أنظمة لم يخترها ودفع أقساط لديون لم يشعر يوما بجدواها .
يتوقع الذين يثقون فى النظام الحالى أن كثيرا من المشاريع التى يدشنها سيجنى ثمارها الأجيال القادمة، شبكة طرق وعاصمة جديدة وحقول غاز ، ومشروعات طموحة أخرى .. الأجيال القادمة أيضا سيكون عليها ان تسدد ما بقى من هذه القروض وفوائدها فمن حقهم علينا ألا نترك لهم مشاريع مرهونة بالأقساط ، أو ديونا تنغص عليهم حاضرهم وتحرمهم من المستقبل .. دعك من أن المعارضين لن يصبروا كل هذا الوقت وسيجلدون ظهر النظام دوما طلبا لأدلة تثبت جدوى هذه المشروعات .