لا يوجد تعريف متفق عليه لما يسمى الطبقة الوسطى، فهو مفهوم واسع وغير محدد ومراوغ، لأنه يشمل شرائح اجتماعية مختلفة ثقافيًا واقتصاديًا من الوزير إلى الموظف أو التاجر البسيط، وهناك اجتهادات كثيرة فى تعريف الطبقة الوسطى، باعتبار أفرادها لا يملكون أصولاً تدر عليهم دخولاً تتيح لهم الإنفاق على أنفسهم، والاستغناء عن العمل لدى الغير، مثل أى موظف أو محام أو مهندس يعمل حاليًا فى مصر، ولديه سيارة وشقة تمليك وشاليه فى الساحل، ومع ذلك لا يستطيع أن يتوقف عن عمله لدى الغير، لأن كل ما يملكه لا يعود عليه بدخل شهرى يغطى نفقات أسرته.
وجرى العرف الأكاديمى على تقسيم الطبقة الوسطى إلى ثلاث مكونات، الأولى الشرائح العليا، والثانية الشرائح الوسطى، والثالثة الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، وهى الأقرب إلى الفقر، والتى تجتهد فى الدفاع عن تعريف نفسها، وتعريف المجتمع لها بأنها تنتمى للطبقة الوسطى.
ولا أريد أن أدخل فى جدل نظرى حول مكونات الطبقة الوسطى، ومعايير تصنيفها وحجمها فى مصر، لكن أريد- وفى حدود مساحة المقال- أن أثير أربع ملاحظات جديرة بالتفكير، هى:
أولًا: إن انتعاش الطبقة الوسطى بمكوناتها المختلفة يخلق طلبًا على الديمقراطية والحكم الرشيد، وهذا ما حدث تقريبًا فى ثورة 25 يناير التى فجرها وقادها أبناء الطبقة الوسطى الأكثر تعليمًا، والذين لديهم فرص عمل مُرضية ودخول جيدة، لكن مخاوف شرائح واسعة من الطبقة الوسطى المصرية من التغيير والأخونة، وانهيار الدولة، على غرار ما جرى فى سوريا وليبيا والعراق، دفعها للتخلى سريعًا عن فكرة الثورة، والالتفاف حول الجيش باعتباره الأداة المكونة للدولة المصرية الحديثة، والضامنة للاستقرار.
ثانيًا: إن الطبقة الوسطى تعانى من تشوهات ثقافية وأيديولوجية، فهى منقسمة على نفسها بين الحداثة والتقليد، بين التغريب والأسلمة المتشددة، وبالتالى فهى غير قادرة على الالتفاف حول مكونات أيديولوجية وفكرية واضحة، تبلور هوية الدولة، وعلاقة الدين بالسياسة، وأولويات العمل الوطنى المطلوب، خاصة فى السياسة والاقتصاد.
ثالثًا: تحمل الشرائح المختلفة للطبقة الوسطى همومًا هائلة تتعلق بقدرة كل شريحة على الاستمرار ضمن ما يعرف بالطبقة الوسطى، لأن التكلفة المادية والرمزية للبقاء ضمن هذه الطبقة الواسعة أصبحت مجهدة للغاية، فقد تخلت الدولة عن كثير من وظائفها، وبالتالى بات على أبناء تلك الطبقة تحمل تكلفة تعليم الأولاد فى مدارس وجامعات خاصة، علاوة على شراء أكثر من سيارة خاصة، وتحمل تكاليف العلاج والدروس الخصوصية، والسفر إلى المصايف، أو امتلاك شقة أو شاليه على أحد الشواطئ، والمفارقة أن هذه الأشياء المادية بما تحمله من دلالات رمزية صارت من أهم معايير الحكم على شخص، أو أسرة مصرية بأنها ما تزال ضمن جنة الطبقة الوسطى وجحيمها، فلكى تكون ابنًا حقيقيًا للطبقة الوسطى عليك أن تعلم أولادك فى مدارس لغات خاصة، وليس أى مدارس، لأن كل مدرسة لها تصنيف بحسب ارتفاع مصروفاتها، وليس جودة تعليمها، والقاعدة نفسها تنطبق على الكليات والجامعات الخاصة، وصولًا إلى الشقق والشاليهات والفيلات داخل القاهرة أو فى الساحل.
رابعًا: تراجعت على نحو كبير فرص الصعود الطبقى داخل الطبقة الوسطى أو منها إلى الطبقة العليا التى لا تزيد على 5% من سكان مصر، ويملكون الثروة والسلطة تقريبًا، وارتفعت نسب وأعداد المتساقطين من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى إلى الطبقات الفقيرة.
وأعتقد أن تراجع حلم الارتقاء الطبقى يرتبط بالظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها اقتصاد مصر والدول العربية بعد تراجع أسعار النفط، والأهم زيادة الأعباء الملقاة على كاهل أبناء الطبقة الوسطى بعد ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، ما قلص من قدرة أبناء الطبقة الوسطى على الادخار أو الاستثمار.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة