يحكى المؤرخون أن الحجاج ابن يوسف الثقفى كانت آخر جرائمه هى قتل التابعى الجليل سعيد بن جبير، وأن ابن جبير قبل موته دعا على «الثقفى» قائلا: «اللهم لا تترك له ظلمى، واطلبه بدمى، واجعلنى آخر قتيل يقتله من أمة محمد صلى الله عليه عليه وسلم، فاستجاب الله له، وأصيب الثقفى بمرض عضال أفقده عقله، وصار كالذى يتخبطه الشيطان من المس، وكان كلما أفاق من مرضه قال بذعر «مالى ولسعيد بن جبير؟».
يقول المؤرخون ومنهم «الواقدى» إنه عندما ألقى القبض على سعيد بن جبير وأحضروه أمام الحجاج بن يوسف الثقفى الذى قال له «يا شقى بن كسير، أما قدمت الكوفة فجعلتك إماما؟ قال: بلى. قال: أما وليتك القضاء، فضج أهل الكوفة: إنه لا يصلح للقضاء إلا عربى، فجعلت أبا بردة وأمرته ألا يقطع أمرا دونك؟ قال: بلى. قال: أما أعطيتك مائة ألف تفرقها على أهل الحاجة؟ قال: بلى. قال: فما أخرجك على؟ قال: بيعة كانت فى عنقى لابن الأشعث، فغضب الحجاج، وقال: أما كانت بيعة أمير المؤمنين فى عنقك من قبل؟ ثم قال: أكفرت إذ خرجت على؟ قال: ما كفرت منذ آمنت. فقال: اختر أى قتلة أقتلك. فقال: اختر أنت، فإن القصاص أمامك. فقال الحجاج : يا حرسى، اضرب عنقه، فضربها، ففار الدم حتى استعجب الحجاج من كثرته وأجابه أهل العلم «هذا الرجل مات وقلبه مطمئن غير خائف»، حدث ذلك فى رمضان سنة خمس وتسعين بواسط فى أرض العراق.
كان سعيد بن جبير من كبار التابعين، وكان صاحب عبد الله بن عباس تلقى العلم على يديه وجلس للإفتاء فى الكوفة، وله كتابات فى التفسير والفقه يعرفها الناس، لكنه لم يكتف بتحصيل العلم أو حتى تعليمه، بل خرج رافضا لكل ما كان يفعله الحجاج فى بلاد الرافدين من قتل وسفك دماء وظلم، فانضم إلى عبد الرحمن بن الأشعث، وروى المؤرخون أن سعيد بن جبير كان ينهى الحجاج عن الظلم والبطش، وكان ينصح الناس بمخالفته وبالوقوف فى وجهه.
وتذكر كتب التاريخ المحاكمة التى نصبها الحجاج الثقفى لابن جبير التى تشعبت وضمت رؤى فى السياسة والدين وطبيعة الإنسان ومنها أن قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟ ورد سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين، والطين تأكله النار، فتابع الحجاج: ولكنا نحن نضحك، فرد سعيد: لأن القلوب لم تستوِ بعد».