زيادة الأموال أم «كفاءة الإنفاق»؟
عدد كبير من النواب اعترض على مشروع الموازنة العامة للعام المالى الجديد بسبب مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمى، حسبما حدده الدستور والنسب الخاصة بكل قطاع.
بعض النواب أعلنوا تمسكهم بالرفض إلا إذا أعلنت الحكومة، ممثلة فى وزارة المالية، المبالغ المالية المخصصة للصحة والتعليم والبحث العلمى وفقا للزيادات السنوية التى نص عليها الدستور.
الخلاف والاعتراض وصل إلى حد إحالة الموازنة إلى مجلس الدولة للتأكد من دستوريتها بما شملته من أرقام بعد التشكيك فيها من عدد من النواب خلال جلسات المناقشة فى البرلمان.
وحسمًا للخلاف وافق مجلس الدولة على مشروع الموازنة، مؤكدا بالطبع دستوريتها، وبالتالى سيتم إرسالها والخطة للرئيس لإقرارها وإصدارها. وأعلن الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، منذ عدة أيام، أنه تلقى خطابا من قسم التشريع بمجلس الدولة، بشأن مشروعات الموازنة العامة وخطة التنمية المستدامة للسنة المالية 2016/2017، ومشروعات القوانين المتعلقة بها والتأشيرات المرفقة بها، وأن مجلس الدولة انتهى إلى أن هذه المشروعات تتفق وصحيح الدستور ووافق عليها، ورأى الدكتور عبدالعال أن موافقة مجلس الدولة وتأكيده دستورية الموازنة بما شملته من أرقام أكبر رد على المشككين فى الموازنة والأرقام الواردة بها.
المشكلة أن الجلسة العامة للموافقة على الموازنة شهدت اعتراضا شديدا على عدم حضور رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل، واعتبره بعض النواب إهانة للبرلمان وعدم احترامه، وتدخل رئيس البرلمان للدفاع عن هيبة البرلمان التى لا يمكن لأحد المساس بها، ودار شد وجذب كبيران بعيدا عن جوهر القضية نفسها.
لا أشكك فى وطنية واخلاص وسلامة نوايا النواب الذين تمسكوا بتطبيق الاستحقاقات الدستورية للصحة والتعليم والبحث العلمى، واعتبروا أن «انتهاك الدستور جريمة تصل للخيانة العظمى»، لكن المسألة فى رأيى بعيدا عن الجدل الطريف حول حضور رئيس الوزراء من عدمه، ليست فى المخصصات المالية وشروط الالتزام الحكومى بالنسب المحددة للقطاعات الثلاثة فى الدستور وزيادتها السنوية.. المسألة هنا فى ما يسمى بـ«كفاءة الإنفاق العام»، بمعنى كيف سيتم إنفاق هذه المخصصات وليس فقط فى تحديدها بالطرق التقليدية والروتينية، ثم نفاجأ أن النسب الكبرى منها التهمته الأجور والرواتب ولم ينفق على تحسين الخدمات ورفع كفاءة منظومة الصحة والتعليم ودعم البحث العلمى.
فالإنفاق العام، حسب تعريفه، هو أحد الأدوات الأساسية للسياسة المالية، التى يمكن من خلالها التأثير على مستويات الطلب الكلى، ومن ثم على النمو، والتشغيل، والدخل القومى، ونمط توزيعه.
وفى ظل محدودية الموارد المتاحة لذلك الإنفاق مثلما هو الحاصل فى مصر حاليا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، يصبح من الضرورى التأكد من كفاءة إنفاق تلك الموارد واستغلالها الاستغلال الأمثل.
للأسف، نحن فى مصر نفتقد الدراسات الخاصة بقياس كفاءة الإنفاق العام فى مصر رغم أن هذه الدراسات معمول بها فى العديد من دول العالم، وهذه مهمة الجهات المتخصصة مثل معهد التخطيط القومى أو جهاز الإحصاء، على حد علمى.
وحسب بعض المحاولات البحثية التى أجريت لقياس كفاءة الإنفاق العام فى مصر كشفت أن مستويات كفاءة الإنفاق العام فى مصر تتراجع بصورة ملحوظة، على الرغم من تزايد متوسط حجم الإنفاق العام الإجمالى بالأسعار الثابتة، وهو ما يؤكد الانطباع العام السائد بضعف مستوى كفاءة الإنفاق العام الإجمالى فى مصر.
زيادة الإنفاق العام، للأسف، غير مصحوبة بإجراءات تضمن زيادة كفاءة الإنفاق التى تؤدى بالضرورة لتحسين مستويات الكفاءة على مستوى القطاع الحكومى.
إذن، كفاءة الإنفاق العام هى الفريضة الغائبة عن النقاش والجدل فى مصر، سواء لدى الحكومة أو داخل مجلس النواب، فجوهر المسألة هنا ليس فقط فى زيادة حجم الإنفاق، وإنما لابد من إجراءات لرفع كفاءة هذا الإنفاق مثل محاربة الفساد وتشديد الرقابة على أداء الحكومة بكل مكوناتها دون استثناء.