اقتراح عقاب كل من يستخدم هذا المصطلح
نعانى، نحن العرب، من سيطرة مفاهيم ومصطلحات معينة على حياتنا، ويجب ألا ينظر الواحد إلى فكرة انتشار مصطلحات أو تراكيب لغوية نظرة لا مبالية، فالإنسان ابن ثقافته، والثقافة ابنة التجربة، ولا تتحقق التجارب وتصبح من لحم ودم إلا إذا تم التعبير عنها بالكلمات، ولهذا تكمن خطورة الكلمة لأنها الوعاء الشامل الذى يحوى التجارب الإنسانية بحسناتها وموبقاتها، ولأن التجارب الإنسانية جديدة ومتجددة، فلابد أن تكون صيغ التعبير عنها أيضا جديدة ومتجددة، ولهذا كله تقف المصطلحات المعلبة أو «الكلاشيهات» مثل الحجر الصخرى الراسخ فى طريق الإبداع، ولا أحد يعرف متى ندخل عصر سك مصطلحات جديدة أو متى نكف عن تريد «كلاشيهات» العصور البائدة التى تجبرنا على التفكير بنفس طريقة التفكير القديمة والوقوع الدائم فى أسر الماضى.منذ أن تفتحت أعيننا على الدنيا ونحن نقرأ أن العرب دائما واقعون «بين المطرقة والسندان» وإذا وجدت مطرقة فلابد أن يوجد لها سندانها، للدرجة التى جعلتنى أتخيل أن كتّاب هذه العبارة يبكون يوميا إذا ما وجدوا العرب واقعين تحت المطرقة فحسب وليس تحتهم سندان، أو أنهم حينما يبحثون عن أى شىء لابد أن يسيروا فى اتجاهين متوازيين ومتساويين ومتزامنين، الاتجاه الأول للبحث عن المطرقة: من الذى يطرقها؟ وعلى من يطرقها؟ ولماذا يطرقها؟ أما الاتجاه الثانى فهو مرحلة البحث عن «السندان»، ولا يحمل السندان فى وعينا الجمعى أى ميزات، لأنه سهل العثور عليه، فلكل منا سندانه، فإذا كان الكاتب من هؤلاء يتحدث عن ارتفاع الأسعار مثلا فمن المؤكد أنه سيكتب مقالا بعنوان: المواطن المصرى بين مطرقة ارتفاع الأسعار وسندان ضعف المرتبات، أو سندان ارتفاع سعر الدولار، أو سندان ياميش رمضان، أو سندان كعك العيد، المهم أن تكون هناك مطرقة وأن يكون هناك سندان، وأن يكون هناك شىء بينهما ثم ما عليك إلا أن تجلس شامخا معتبرا نفسك كاتبا كبيرا لأنك انضممت إلى مرحلة «المطرقة والسندان» بعدما كنت فى مرحلة «إن دل على شىء فإنما يدل».
نعم ربما تكون هناك مطرقة، وربما يكون هناك سندان، لكن لماذا تتجمع كل هذه المطارق وكل هذه السندانات فى حياتنا؟ ولماذا لا تأتى المطرقة وحدها فى يوم من الأيام، وفى اليوم الآخر يأتى السندان؟ ولماذا نكثر من استخدام هاتين الكلمتين بهذا الشكل الغريب؟ ألا نعرف أن كثرة استعمال النقود تعرضها للتلف، وبالتالى تعرضها إلى فقدان قيمتها، ألا نعرف أن كثرة استعمال المصطلحات تؤدى إلى طمس معالمها وضياع ملامحها؟ ثم لماذا لا نرحم هاتين الكلمتين على الأقل مرة واحدة كل أسبوع ونمنحهما يوما «أجازة» فيتم تجريم استعمال هاتين الكلمتين وعقاب كل من يتجرأ على استخدامهما، بأن يوضع هو نفسه تحت مطرقة حقيقية وفوق سندان حقيقى.
هنا أريد أن تنتبه إلى أن ما ينطبق على «المطرقة والسندان» ينطبق على عشرات المفاهيم والمصطلحات التى يطنطن بها أنصاف الكتاب وأرباع الإعلاميين والتوافه من السياسيين ومحترفو النصب المعلب، فهؤلاء جميعا يستحقون «المطرقة والسندان» لما يرتكبونه فى حق اللغة والإعلام والسياسة والوعى، والمطرقة والسندان أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة