يسهر ليلة العيد حتى الصباح مع شلة من أصدقائه، يحاول كل منهم إثبات رجولته أمام الآخرين، وأنه لم يعد طفلا بل رجلا يقوم بكل أفعال الرجال.
ينطلق مع الساعات الأولى للعيد يحمل كل منهم جنيهات قليلة جمعها من حصيلة عمله أو مصروفه القليل الذى حصل عليه بالكاد من أسرته الفقيرة فينقض على محل كشرى أو عربة فول ليتناول إفطار أول أيام العيد، ثم ينطلق وأصدقاؤه إلى الحدائق والمتنزهات العامة.
تجدهم زمرا وجماعات يحملون نفس الصفات والأعمار الصغيرة التى تتراوح بين 8 سنوات و16 سنة، يسيرون وكأنهم قطيع، يقومون بنفس التصرفات، نفس حلاقة الشعر وطريقة الكلام، يسعى كل منهم أن يحظى بإعجاب رفاقه وضحكاتهم إعجابا بتصرفاته وكلماته وقدرته على إثبات مواهبه فى معاكسة الفتيات وأن يطال منهن أكثر مما طاله زميله، يشعر بالفخر حين يقتنص لمسة أو ضربة على جسد إحداهن، وحين يطلق كلمة خادشة من قبيل الاستظراف، فيضحك أصدقاؤه، فيحاول تحقيق هدفه باستخدام عينيه ويديه ولسانه.
لا تحركه الغريزة الجنسية بقدر ما تحركه نشوة الإحساس بأنه أصبح رجلا، بمقاييسه ومقاييس أصدقائه وما تبثه الأعمال الدرامية ونجومه المفضلين، نفس النشوة التى يشعر بها حين يدخن أول سيجارة أمام أصدقائه أو ينجح فى تدخين الشيشة دون أن "يكح" ويظهر عدم قدرة رئته الصغير على احتمال الدخان.
شعر بالنشوة حين جرب لأول مرة حركة نجمه المفضل فى أحد الأفلام وهو يضرب فتاة على مؤخرتها، وأفلت دون أن يحاسبه أحد، وحين عاكس فتيات مدارس البنات مستخدما كل السخافات التى استعرض بها أمام أصدقائه، مستخدما كل مصطلحات الأغانى والأفلام الهابطة، يحركه وأصدقاءه فى كل هذه التصرفات عقلية القطيع، فإن أحسنوا أحسن وإن أساءوا أساء فى سعيه الدائم لإثبات رجولته.
هو نفسه ذات الشخص الذى يجرى مجاملا صديقه فى خناقة قد يدفع ثمنها حياته ليثبت أنه جدع وصاحب صاحبه، وهو نفسه الذى إذا احتاج الحى الشعبى الذى يسكن فيه لجنة شعبية تحميه وتحمى فتياته وبيوته وأهله سيقف ويزاحم ليثبت أنه رجلا يستطيع حماية منطقته، كما حدث فترة أحداث ثورة يناير، وهو نفسه الذى إذا اقترح أحد أصدقائه أن يشاركوا فى توزيع البلح والعصير على الصائمين وقت المغرب سيلبى النداء.
هذا هو المتحرش الصغير الذى نرى صوره فى كل حوادث التحرش فى العيد ولعل أشهرها الصورة المتميزة التى التقطها زميلنا المصور حازم عبد الصمد فى أول أيام العيد لعشرات الصبية والأطفال المتحرشين بفتاة، طفل ليس مجرما بطبعه لا تدفعه الغريزة الجنسية، يسعى بكل قوته لإثبات رجولته طبقا لمفهوم الرجولة الذى تكون فى ذهنه، من السهل توجيهه، فيصبح خامة جيدة لإرهابى أو مغتصب أو بلطجى، كما يمكن أن نصنع منها بطلا إن أردنا فهو عجينة يسهل تشكيلها.
فقط يحتاج هذا المتحرش الصغير لبعض الاهتمام الذى يليق بخطورته وكونه يمثل المستقبل الذى نجنى فيه غدا ما نزرعه اليوم.
لم يجد المتحرش الصغير مساحة يلعب فيها فى المدرسة أو معسكرا للكشافة يتعلم فيه بعض الأخلاقيات والمهارات، لم يجد مركز شباب أو نادى يتناسب مع فقره ويستوعب طاقته، لم يجد نموذجا فى أبطال الدراما يحتذى سوى تلك النماذج التى تحمل الأسلحة البيضاء وتبنى زعامتها وبطولتها على البلطجة والتحرش.
نحتاج خطة تتدارك خطورة المتحرش الصغير وتسعى لاستيعابه ورفاقه فى منظومة تستغل طاقاتهم وتجعلهم يشعرون برجولتهم وبطولتهم فى أعمال أخرى غير التحرش والبلطجة.
زينب عبد اللاه تكتب: كتالوج المتحرش الصغير.. لا تحركه الغريزة الجنسية بقدر ما تحركه عقلية القطيع وإثبات رجولته أمام أصدقائه.. يستخدم مصطلحات الأغانى والأفلام الهابطة.. وخامة جيدة لإرهابى أو مغتصب
الجمعة، 08 يوليو 2016 06:00 م
تحرش - أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة