وسائل الإعلام الجماهيرية فى الديمقراطيات الجديدة
يواصل أستاذنا الكبير محمد الخولى عطاءه المميز فى مجالات الفكر والإعلام والترجمة، وقبل أيام أهدانى أحدث ترجماته «وسائل الإعلام الجماهيرية والاتصال السياسى فى الديمقراطيات الجديدة»، وهو كتاب قيم وضعه مجموعة من المؤلفين الأوروبيين، ويتدارس الأسلوب الذى تتبعه عمليات الاتصال السياسى، ووسائل الإعلام الجماهيرية عند اضطلاعها بدور محورى يهدف إلى ترسيخ الديمقراطيات الناشئة حول العالم.ويغطى الكتاب الصادر عن المنظمة العربية للترجمة، وبدعم من مؤسسة عبدالحميد شومان، نطاقًا واسعًا من الأوضاع السياسية والثقافية ما بين شرقى وجنوبى أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، وإلى آسيا وأفريقيا، ويعالج الكتاب خمس قضايا، هى: 1 - التصورات المتغيرة للأدوار الإعلامية ونوعية رسائل الإعلام، 2 - أسباب ونتائج الإمعان فى استخدام وسائل الإعلام من جانب الفعاليات السياسية، 3 - دور الميديا الإعلامية فى الحملات الانتخابية، 4 - الطريقة التى يفسر بها المواطنون الرسائل السياسية، والمدى الذى تؤثر به الوسائل الإعلامية على المواقف السياسية والسلوك الانتخابى، 5 - دور شبكة الإنترنت فى بناء نطاق ديمقراطى عام.
ويشير الكتاب إلى أن وسائل الإعلام الجماهيرية واحدة من تلك المنظمات، التى كثيرا ما تعرضت للتجاهل من جانب دراسات التحول الديمقراطى المتواترة، برغم حقيقة أن أداء هذه المنظمات له تأثير محورى، ليس فقط على أداء المؤسسات الديمقراطية الأخرى، ولكن أيضًا على سلامة ممارسة العملية الديمقراطية فى مجملها، ومع ذلك فكثير من الدارسين فى الغرب قالوا بأن قدرة ميديا الإعلام على تعزيز الديمقراطية مازالت محدودة، ومنهم من قال بأن الإعلام مسؤول عن كثير من السلبيات التى يبدو أن الديمقراطيات الجديدة تعانى منها.
ويسجل الكتاب تجارب عملية وعالمية فى مجاله، فيتناول «دور الصحافة فى مراحل التحول»، ويأخذ نموذجها من بناء الديمقراطية الإسبانية فى الفترة من عام «1975 - 1978»، وتنتهى الدراسة الخاصة بالموضوع إلى استنتاجات، أبرزها أن الأسلوب الذى سارت به السياسة والصحافة فى هذه الفترة كان يلتمس نوعًا من التجانس فى الهدف النهائى، وهو ديمقراطية يتقبلها كل فرد، ويتم التفاوض عليها من خلال التوافق العام من دون إقصاء، باستثناء جماعات العنف أو التطرف.
وعن علاقة الديمقراطية بالإعلام فى «روسيا ما بعد الشيوعية»، نجد أوضاعًا مثيرة، «فمن ضروب التناقض أن عملية التحول الديمقراطى فى روسيا أصبحت تبريرًا للحد من حرية الحصافة، وإبقاء وسائل الإعلام أداة للاستخدام، وهذا الاستخدام للوسائل الإعلامية فى روسيا ما بعد الشيوعية يشكل استمرارًا للماضى الشيوعى، وتعبيرًا عن الطابع الشمولى للمجتمع، ويناقش دور الإعلام فى «جنوب أفريقيا - مرحلة ما بعد الفصل العنصرى»، ويستعرض حال الإعلام وتحولاته منذ أن كانت البلاد محكومة بأقلية بيضاء، وكان الإعلام فى ظل نظام الفصل العنصرى يتصف بأنه أبيض إلى حد كبير، وفى عقد التسعينيات ومع انتقال الحكم إلى الأغلبية السوداء تغير الموقف بصورة ملموسة، سواء من ناحية الملكية، أو تشكيلات هيئات التحرير فى الصحف.
ويقدم الكتاب تجارب للعلاقة بين السياسة والإعلام فى أمريكا اللاتينية، مشيرًا إلى أنه بعد عودة الحكم الديمقراطى فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى أفادت استطلاعات الرأى بأن الصحافة فى أمريكا اللاتينية ارتفعت إلى مستويات غير اعتيادية من الثقة، سواء من ناحية المعايير التاريخية، أو بالمقارنة مع المؤسسات الأخرى، ومن أمريكا اللاتينية إلى أوكرانيا وتايوان يتناول الكتاب تجارب متنوعة فى علاقة الإعلام بالسياسة، وفى القلب منها قضايا الديمقراطية والانتخابات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة