صحيح أن الموت قدر محتوم، ولكنى أحزن على شخصيات عشت معها أيامًا طويلة أتابع بشغف حكايتها، وفجأة يأتى الكاتب ببساطة شديدة، وبما وهبهه لذاته من سلطان يقتل، ويسلب الحياة كيفما أراد، فمن منح الكاتب هذا الحق أن يقبض تلك الروح التى حلقت إلى جوارى أيامًا، كيف يستطيع أن ينثر كل هذا الموت فى دقائق معدودة، ويزرع الحزن فى قلوب مشاهد لجأ إليه واهمًا أنه قد يستريح لديه قليلاً مما نحياه، ليجد الموت حاصدًا على الشاشة أكثر من الواقع.
قد يدافع بعض الكُتاب عن أنفسهم مؤكدين أنه عالمهم الخاص، ومن نسج خيالهم وأفكارهم، صحيح أنه عالم من صنع الكاتب وحده، ولكنك اخترت عزيزى المؤلف أن تدعونا إلى العيش معك أو على الأقل معايشة هذا العالم، ولم تكن دعوة على الماشى أو كما يقول المثل الشعبى "عزومة مراكبية" بل دعوة صادقة، لنغوص فى أعماق دُنياك الوهمية متمنيًا أن تنال إعجابنا، ولكنك عزيزى الكاتب بعد أن قبلنا دعوتك الكريمة قررت أن تشيع الحزن فى نفوس من قبلوا الدعوة، لتتحول أغلب الحلقات الأخيرة من دراما رمضان إلى سرادق عزاء كبير.
صحيح أن الموت هو الحقيقة المؤكدة فى الحياة، ولكنه أيضًا ليس الحقيقة الوحيدة ثم أننا زملاء فى هذه الحياة، وبالتأكيد تدرك عزيزى الكاتب أن ما نقابله من موت يوميًا فى الواقع يكفينا، ويفيض لكواكب أخرى فلن يختل ميزان الكون إذا تنازلنا قليلا عن نصيبنا من تركة الموت الملاحقة لنا حتى فى الدراما.
عندما شاهدت بعض نهايات الأعمال الدرامية تذكرت المشهد الشهير من مسرحية "مدرسة المشاغبين" عندما قرر الطلبة السخرية من "علام الملوانى" أحد مدرسى المدرسة، وايهامه بتنظيم حفل تنكرى، وأقنعوه بخلع ملابسه ليستبدلها بزى الهنود الحمر، وكلما ضايقته إحدى قطع ملابسه التقليدية دعوه إلى خلعها مرددين الإيفيه الشهير "كل ما تتزنق أقلع" وهذا ما فعله صناع الدراما فى كثير من المسلسلات فتحول الإيفيه إلى "كل ما تتزنق اقتل".
القتلى فى كل مكان، على أغلب الشاشات، الجميع يموت، الخير والشر، قد يقبل البعض وفاة الأشرار فيعتبرونها عدالة السماء، أن الحقيقة التى يدعى الكُتاب مجاراتها أن كثيرًا من الأشرار يموتون على فراشهم دون معاناة حتى أن المثل الشعبى يقول "ما يفضل على المداود غير شر البقر" أى أن من يبقى ويعمر طويلا هم سيئو الخُلق أو الأشرار، وبالرغم من ذلك نتغاضى عن تيمة قتل الأشرار لينتصر الخير وتصبح الحياة عادلة وهى ليست كذلك ولكن قررنا أن نتغاضى وأمرنا لله.
لكن أن يموت من يمثلون الخير أيضًا، فأى محاكاة للواقع هذه، هل يجب أن يتبعنا ألم الواقع حتى الدراما، ولماذا يبخل علينا الكُتاب ببعض الأمل ببعض المبالغة فقط لبث بعض الطاقة الإيجابية للمشاهد المسكين ألا نستحقها بعد أن صدقنا أبطالكم، فكيف تتجرأون على قتلهم هكذا بدم بارد.
مسلسل 7 أرواح رفع شعار الموت للجميع، قتل بالجملة، موت عصام أرنبة ومعتز الفرماوى ومحمد السيوفى وهالة طارق وعيسى السيوفى غير حراس الأمن الذين يقتلون فوق البيعة، فلم يبق من المسلسل إلا المخرج والمؤلف. تصور كل هؤلاء قتلهم الكاتب، ولكن قلبه الرحيم لم يتحمل قتل الجميع فى مشهد واحد فوزع موتهم على الحلقتين الأخيرة، وما قبلها لتنتهى الحكاية بمذبحة جماعية تحاكى الواقع فى نظر المؤلف.
فما المشكلة لو أن عصام أرنبة أصيب فقط، ونقل إلى المستشفى، وتم إجراء العملية الجراحية لمعتز ونجحت واستقبل مولوده المنتظر، وتم القبض على عيسى السيوفى -من المؤكد سيأخذ إعدام ولا يتحتم علينا تنفيذ الحكم يكفى أن يرتدى البدلة الحمراء ونتركه لمرارة انتظار الموت.
عزيزى الكاتب لست وحدك من تمتلك الخيال، فللمشاهد حق أيضًا فى تخيل حياة أبطاله الذين أحبهم بعد انتهاء عالمك الافتراضى، من حقه أن ينسج قصص ما بعد نهاياتكم، ويجب أن تكون سعيدة بلا موت، لتستمر حياتهم فى أذهان عشاقهم، فكيف نتخيل أى شىء بعد أن مات الجميع قتلتوا الخيال لحظة قتلتم أبطالكم، ولم يبق للمشاهد إلا فنجان قهوة سادة يشربه على روح الجميع.
أما مشاركة عبد الرحيم كمال مؤلف يونس ولد فضة فى سرادق العزاء، فجاءت بـ"قتيلين" فقط خلال أحداث الحلقة الأخيرة "فضالى" عدو يونس اللدود، و"شبل" الأخ الأصغر ليونس ولد فضة ليقرر كمال أن تنال حسيبة –أمه- جزاءها على قتل "يونس الطفل" بقتل ولدها شابا لتشعر بمرارة، وألم فضة على موت ولدها، ونجا يونس من الموت بمعجزة نجح فى تدبيرها كمال عبد الرحيم.
صحيح أننا فى الحياة لا حيلة لنا فى الموت، ولكن نستطيع أن نتحايل عليه فى الدراما بعدم مشاهدة المسلسل مرة أخرى فلا أحد يرحب -عن طيب خاطر- بمعايشة الألم ذاته مرتين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
كتاب الدراما يفضلوننها حزينه مليئه بالصراخ.واللطم
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
انهم ينقلون النكد فى بيوتهم للمشاهد
بدون