وائل السمرى

محمد ممدوح على مقاعد الكبار

السبت، 09 يوليو 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مدارس النقد الأدبى هناك ما يعرف باسم «النقد التطبيقى» الذى يعتنى بتحليل القطع الأدبية تحليلا دقيقا لاكتشاف ما يمكن أن نسميه «سر الصنعة» وللأسف لا يوجد لدينا الآن نقادا «تطبيقيين» يعرفون فنون الأداء ويحللونها، فاختلط الرخيص بالغالى، واختلف الأصيل بالمزيف، وأصبح أى شىء يشبه أى شىء، وصار طبيعيا أن يدعى المدعون ويزايد المزايدون ويتنطع المتنطعون، فلا حكم ولا معيار، ولا ثقافة عامة لتفرز المعروض، ولا ذوق مدرب لمنح صك النجومية لمن يستحق.

تذكرت حاجتنا هذه إلى «النقد التطبيقى» بإلحاح حينما شاهدت ذلك المشهد العبقرى الذى قام به الفنان «محمد ممدوح» فى مسلسل «جراند أوتيل» وهو يعيد ابنه المتبنى وزوجته الخائنة إلى «مراد» فهو مشهد عالمى بكل ما تحمل الكلمة من معنى، مشهد يخاطب الروح، يهز الوجدان، تتفاعل معه جوارحك كلها بعد أن أجبرك ممدوح على الاندماج معه فى ذات التجربة، وجعلك تشعر بكل دقة من دقات قلبه، لتشعر فى النهاية بسخونة الدموع وهى تتسلل إلى وجهه أو إلى وجهك.

فى المشهد السابق لهذا المشهد كان ممدوح نائما بجوار ابنه يداعبه ويلاعبه بحنان وحب فطريين، وهو ما دفع زوجته إلى أن تطلب منه أن يكتب لابنه المتبنى وصية بنصيب معلوم فى الفندق، وحينما ينتوى القيام بهذا الأمر يعرف أن هذا الولد ليس ابنا لرجل مجهول، وأن زوجته كانت تستغل حبه لها ولابنها لتأخذ منه ما لا تستحق، ولهذا يجلس «ممدوح» على الكرسى باكيا، يتنازعه الحب، ويقتله أن يصير الحب نقطة ضعفه التى تستند عليها زوجته الخائنة، وهنا يبرع ممدوح فى تصوير نظراته إلى الزوجة والطفل، فبداية النظرة حب وعطف، ونهايتها ألم، تراه فتشعر أنه لا ينظر إلى طفل وامرأة نائمين وإنما كأنه يشرب من كأس أوله حلو وآخره علقم، ومن هذه النظرة ومن هذا الألم استمد ممدوح طاقته ليبدأ فى صياغة هذا الحدث الأهم.

مع تقدم «ممدوح» نحو السرير تشعر بأن حدثا مهيبا سوف يحدث، وحينما يقترب من زوجته تستيقظ دون سابق إنذار، وكأن مجال مشاعر «ممدوح» أو «أمين» هى التى أيقظتها، فيقترب منها متأملا وجهها مستسلما لنصف الكأس الحلو، وحينما يرى الابتسامة على وجهها يقرب وجهها منه وكأنه يتحسس أنفاسها ثم يتذكر النصف الآخر من الكأس وتتحول أنفاس الحبيبة إلى ما يشبه فحيح الأفاعى، فيمسك بيدها ثم يلفها حول ظهرها ليرفعها إلى كتفه، ثم يمسك بالطفل، ويذهب إلى غرفة «مراد» فى خطوات جنائزية تمتزج فيها مشاعر الهزيمة مع مشاعر الانتقام، الحب، مع الكراهية، الحنان مع القسوة، وحينما يفتح مراد باب غرفته، يلقى بزوجته أمامه بإهمال وحسم وكأنه يرمى بـ«كيس قمامة» ثم ينظر إلى الولد نظرة أخيرة، وكأنه يقطع جزءا من قلبه، ويترك الاثنين على باب الغرفة ويمشى إلى غرفته، متلفتا نحو الغرفة فى حسرة وكأنه يجسد بيت الشعر القائل «وَتَلَفّتَتْ عَينى، فَمُذْ خَفِيَت.. عنها الطلول تلفت القلب». ليؤكد ممدوح أنه وبهذا المشهد فحسب يستحق أن يجلس فى مقاعد «الكبار» وأن ينتمى إلى تلك القائمة الذهبية لنجوم الفن فى مصر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة