لا يهم إذا كانت خطيئة دولة أو جشع شعب أو سوء إدارة مرحلة، التاريخ لن يرحم ما حدث للعملة الوطنية فى الشهور الماضية، والأجيال القادمة لن تسامحنا بعد أن تركنا لهم أوراقا نقدية أشبه بالمناديل الورقية لا قيمة لها ولا ثمن.. الكارثة المخزية أننا مستمرون فى هذه الكوميديا السوداء، فالدولة مصرة على أن تحل كل مشاكلها بالاقتراض والتبرعات والتنقيط وتعجز أو تتكاسل عن وضع حلول اقتصادية حقيقية لرفع هذا البلاء والناس مازالت تنهش فى بعضها البعض وتتلذذ بمكاسب خائبة على حساب وطن مكسور.
أما المتآمرون الذين شاركوا فى هذه الجريمة لإحراج النظام وهز استقراره فهم مثل المهووس الذى يقتل ابنه حتى لا يربيه غيره، حيوانات أشبه بكلاب وقطط الشوارع التى لا تعرف لنفسها بيتا أو وطنا، ولا أتصور أن كلامى أو كلام غيرى سيؤثر فيهم وينظف عقولهم ليفهموا أننا فى مركب واحد وأن الغرق سيكون مصير الجميع، لا يوجد فى ذلك دين أو أخلاق أو كرامة ويكفيهم الملايين الذين يقتلهم المرض بعد غلاء الدواء أو الذين أذلهم وهن الجوع والاحتياج، ولكن مهما كانت المؤامرة خبيثة والمشاركون فيها من هنا وهناك سنظل نحن المذنبين وفينا بيت الداء فالمسؤولون الحكوميون الذين يطنطنون و«يتنطتون» فى المحافل والإعلام طوال الليل والنهار لم يخرج منهم استراتيجية اقتصادية ناجحة فى أى مجال أو قطاع. لم نر خطة واقعية لتطوير صناعة أو فتح تجارة أو تصدير زراعة، كله كلام وخطط يوهموننا بأنها ستأتى ثمارها بعد عشرات الأعوام و«موت يا حمار».
نحن لا نتكلم هنا عن تنمية شاملة أو طفرة فى الاقتصاد أو معجزة فى تعظيم الموارد، المطلوب الآن مجرد خطط استراتيجية قصيرة المدى لرفع الكفاءة التصديرية وخفض معدلات الاستهلاك الدولارى، يعنى مثلا وزارة التجارة الخارجية تدرس احتياجات العالم من زراعات معينة أو منتجات صناعية أو يدوية وتفتح منافذ تسويقية مع الدول المستوردة لتلك الزراعات والمنتجات، وتتعاون مع وزارة الزراعة ووزارة الاستثمار لتوفير هذه الاحتياجات بأسعار تنافسية وبجودة تلائم متطلبات الدول المستوردة بطاطس، بطاطا، سجاجيد أو حتى قباقيب، المهم أن ننتج ونصدر ونرفع مواردنا، وهل من الصعب أن تجتمع الحكومة مع رجال الأعمال وتدرس ما هى المنتجات المهمة أو التافهة التى نستهلك فيها الدولار والعملات الأجنبية، وأن يكون هناك استراتيجية جادة لتوفير بدائل جيدة بأسعار مناسبة لتجذب الناس للمنتج المحلى بدلا من حملات الترويج الساذجة لأشترى المصرى الذى أغلبه تجميع من الخارج وأغلب مكوناته مستوردة وكأن كل الصناعة المصرية تعبئة وتغليف وإعلانات. ألا يمكن أن نسمع آراء الخبراء الاقتصاديين والصناعيين فى إيجاد منتج مصرى مميز ننتجه للعالم أو حتى للدول المجاورة، كما عرف عنا من قبل فى القطن والنسيج والحديد والأدوية، ألا نعرف حلولا غير التمنيات والقروض والتبرعات للنهوض بهذه البلد، ألم يأتِ الوقت الذى ندرك فيه أننا (مسؤولون وشعب بنتكلم وخلاص) نتمنى ونحلم على المراتب وننتظر من ينفق علينا ونحن نائمون نحلم.
إذا كان المسؤولون الحكوميون يظنون أنهم فعلوا ما عليهم لنصل إلى ما نحن عليه فهم فى الواقع (معملوش أى حاجة) وإذا كنا كشعب نظن أننا مغلوبون على أمرنا فيما وصلنا إليه فالحقيقة أننا بفسادنا وسلبياتنا ولامبالاتنا وجشعنا وكسلنا مسؤولون عن حالتنا المنيلة بنيلة، فنحن احترفنا استغلال بعضنا البعض، ولم نفلح إلا فى نشر الفساد فى كل شؤون حياتنا، ما وصل إليه الجنيه المصرى من ذل وهوان بين عملات العالم هو جريمة مشتركة بين الجميع، علينا أن نصرح بذلك ونفيق ونصحح مسارنا ونتحرك أو نظل كما نحن نلوم الظروف والأعداء والبخت أو نلوم الجنيه على أساس أنه «هو اللى عمل فى نفسه كده».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة