نقلا عن العدد اليومى...
تحتاج مصر إلى أفكار من خارج الصندوق وإلى أعين لا تغلق لحظة بحثا وراء كل ما يمكن الاستفادة منه فى العبور بالبلاد من عنق الزجاجة والخروج بها من أزمتها الاقتصادية إلى آفاق أرحب، تكون قائمة على إمكانياتها وعلى سواعد أبنائها وبعقولهم وحدهم دون الاستعانة فقط سوى بقراءة دروس الآخرين ودراسة التجارب التنموية الناجحة للسير على ما هو صالح للبيئة المصرية منها، وتجنب كل ما يمكن أن يقود إلى فشل أو تباطؤ فى تحقيق هدف النهضة الاقتصادية لمصر.
فى صحراء محافظتى القاهرة والجيزة تقع المناطق الصناعية التى تضم مئات من المصانع الكبيرة والمتوسطة الحجم، ملايين الجنيهات وآلاف العمال يتحدون الظروف الصعبة من أجل الخروج بمنتجات محلية قادرة على منافسة مثيلاتها المستوردة. ولأن شعار الارتقاء بالصناعة المحلية وتشجيعها هو هدف للجميع، لذا كان لزاما علينا أن نضع «روشتة» للمساهمة فى تحقيق هذا الهدف عبر النزول إلى تلك المناطق لنقل مشكلات وهموم العاملين بها إلى أصحاب القرار، بهدف مساعدتهم أيضا فى العمل على التخلص من بعض السلبيات التى تواجه المستثمرين من أصحاب المصانع حتى يستطيعوا اللحاق بركب التنمية والعمل الجاد والسريع، وعلى رأس تلك المعوقات عدم وجود أراضٍ داخل حيز المناطق الصناعية، والروتين والبيروقراطية التى يجدها أصحاب المصانع أثناء حصولهم على ترخيص العمل، فضلا عن أن الحصول على المواد الخام يعد فى مقدمة الأزمات التى تواجه هؤلاء أثناء عملهم، خاصة أنه مع تقييد حركة الاستيراد زادت أسعار أغلب المواد الخام المستوردة من الخارج، وهو ما أثر على حركة العمل داخل مصانعهم.. عقبات مختلفة وحلول على لسان أصحابها نقدمها فى السطور التالية من داخل المناطق الصناعية فى مدينتى بدر و6 أكتوبر باعتبارهما نموذجين واقعيين لباقى المناطق الصناعية الأخرى التى تعانى نفس المشكلات.
«مدينة بدر» تحارب شائعات «المنتج الأجنبى أفضل».....ومصانع «6 أكتوبر» ترفع شعار «التصدير إلى الخارج»
مصنع كرتون يعمل بماكينات مصرية باستثناء واحدة مستوردة.. وصاحبه يطالب الدولة بإنقاذه من السوق السوداء للدولار والاهتمام بالتأهيل الفنى لتوفير عمالة مدربة
عندما تواجه مصر أزمة عملة صعبة، تظهر دعوات الاهتمام بالصناعة المحلية والارتقاء بها لرفع مستوى جودتها حتى يمكننا تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير الدولار، ومؤخرا تزايدت الحملات الحكومية الداعية لترشيد الاستيراد من الخارج مثل «اشترى المصرى»، وحملات دعم الصناعة تحت شعار «بكل فخر صنع فى مصر»، وغيرها من الدعوات الرامية لتشجيع الصناعة المصرية.
وفى ظل هذه الدعوات، سعت «اليوم السابع» للتعرف على حقيقة واقع الصناعة المصرية، وهل هى قادرة على منافسة المستورد بالفعل من حيث تقديم منتجات ذات جودة عالية؟ وماذا قدمت الحكومة من دعم حقيقى للصناعة المصرية؟ وما هى العقبات والمشاكل التى يمكن أن تواجه المصانع المحلية وما هى الحلول المناسبة لتقوم بدورها فى توفير منتج مصرى عالى الجودة بسعر مناسب ينافس المستورد؟ وهو ما دعانا لزيارة مدينة بدر الصناعية كمثال على منطقة تضم عددا من قلاع الصناعة المصرية ليست الكبيرة فقط، وإنما الكثير من الصناعات المتوسطة أيضا. مشكلات المستثمرين ورجال الصناعة لم تختلف باستثناء بعض التفاصيل البسيطة التى تتعلق بطبيعة المنتج واحتياجاته، ولكن المشكلات فى النهاية واحدة، تتمثل فى أزمة الحصول على الدولار التى أعاقت استيراد الخامات اللازمة للصناعة، وتراجع الصادرات من المنتجات النهائية، بما يهدد قدرة هذه المصانع على الاستمرار والمنافسة، بجانب بعض العوائق الأخرى التى تتمثل فى عدم وجود أراضٍ صناعية، والبيروقراطية الشديدة فى الحصول على التراخيص وعدم توافر العمالة المدربة.
ورغم المشكلات السابقة التى لم يخل منها أى مصنع شملته الزيارة، فإن واقع الأمر أن مصر بها قلعة صناعية لا يستهان بها، تمتلك المعرفة والخبرة والإمكانيات رغم بساطتها فى كثير من الأحيان، وقادرة على المنافسة وتقديم المنتجات بأعلى جودة، إذا تم توفير البيئة اللازمة للاستثمار فى مصر، وتقديم دعم حقيقى للصناعة يتمثل فى إزالة عوائق الاستثمار.
مصنع الكرتون
بداية الزيارة كانت داخل مصنع «باك تك» المتخصص فى صناعة الكرتون أو بصورة أدق صناعة التغليف لأكبر الشركات المصدرة، وهو المورد الوحيد لإحدى الشركات الشهيرة فى صناعة الأثاث بمنطقة الشرق الأوسط.
المصنع رغم عدم كبر حجمه فإن منتجاته توجه بالكامل للتصدير حسب تأكيد المهندس تامر حسين، المدير العام للشركة، مفجرا مفاجأة وهى أن المنتجات ذات الجودة العالية التى ينتجها مصنعه تتم بماكينات مصرية 100٪ باستثناء ماكينة واحدة مستوردة، حيث قام بتصميم الماكينتين المحليتين المهندس المصرى إبراهيم خالد، وهو ما يؤكد وجود الخبرات والإمكانيات المصرية القادرة على المنافسة.
المصنع كما سبق الذكر لم يكن ضخما أو هائلا، وإنما كان عبارة عن خلية نحل من عمال وعاملات بسطاء تعلموا وأجادوا ما يفعلونه حتى أصبحت منتجاتهم تنافس أكبر المصانع الأجنبية فى جودة الخامات وسعرها، ولكن هذا لا يمنع وجود عوائق كثيرة حتى تستمر هذه التجربة الناجحة فى مسيرتها.
وعن أهم المشكلات التى تواجه المصنع هى أزمة الدولار، وهو ما علق عليه المدير العام للمصنع: «إن المستثمرين يقعون فريسة سهلة للسوق السوداء بسبب عدم توفير الدولار»، وتابع موجها حديثه للقائمين على السياسة النقدية فى مصر: «سهّل الصح عشان منروحش للغلط».
وأكد أن زيادة سعر الصرف وعدم توافر الاستقرار الاقتصادى يصعب كثيرا من مهمة الشركات والمصانع المصرية على الإنتاج بصورة منتظمة، وعلى التزامها بعقودها التصديرية، مما يهدد قدرتها على المنافسة بالسوق الخارجى.
ولم تخل مشاكل الشركة من إيجاد عمالة مدربة نتيجة عدم الاهتمام بالتأهيل الفنى، بجانب البيروقراطية الشديدة فى الحصول على التراخيص، مما تسبب فى عدم قدرتها، على مدار عام كامل، على إنهاء التراخيص والموافقات اللازمة على قيامها بالتوسع فى حجم وقدرة المصنع الإنتاجية، إلى جانب الفساد فى المحليات الذى يؤدى لمنح مصانع غير متوافر بها الشروط ما تطلبه من تراخيص مقابل دفع الرشاوى، وعدم قدرة مصانع أخرى أكثر التزاما على إنهاء هذه التراخيص، ناهيك عن وجود مشكلات قديمة منذ سنوات تتمثل فى تخصيص أراض صناعية، تعلن الحكومة أنها متوافرة فى حين أن واقع الأمر، كما يرويه الصناع، أنه لا يوجد أى أراضٍ صناعية حاليا.
مصنع قطع الغيار المعدنية
ومن مصنع الكرتون انتقلنا إلى صناعة من نوع آخر تماما وهى صناعة القطع المعدنية المستخدمة فى قطع غيار المعدات والماكينات الضخمة كمحطات المياه والكهرباء والصرف الصحى والسكك الحديدية وغيرها، والتى ينتجها مصنع «سيبيماتيك» للصناعات الهندسية واللحام التخصصى.
هناك استقبلنا المهندس سعيد فرج، رئيس مجلس إدارة الشركة، الذى لم نجده رجل أعمال ببزة أنيقة، وإنما رجل صناعة يعمل بيديه داخل مصنعه حتى ينتج قطع الغيار التى ينافس بها داخل وخارج مصر، ويصدر للاتحاد الأوروبى قطعا عالية الدقة والجودة.
فرج بدأ حواره بصراخ: «إحنا بقينا فريسة سهلة لتجار السوق السوداء»، مؤكدا أن أزمة الدولار هى أكبر مشكلة تواجه عمله فى مصر فى الآونة الأخيرة، مطالبا بضرورة إيجاد حل سريع حتى لا يلجأ رجل الأعمال إلى مقابلة تجار العملة على القهاوى ويكون معرضا للقبض عليه فى أى لحظة، ليس لسبب سوى أنه حريص على استمرار صناعته وتطويرها من خلال توفير الدولار اللازم لشراء مستلزمات إنتاج مصنعه.
وشدد فرج على أن مصر لديها الإمكانيات والقدرات الإنتاجية والبحثية، وتحتاج خطة سريعة وجادة لتمصير الصناعة تبدأ بقطع الغيار ذات الاحتياج الدورى، مثل قطع غيار السكك الحديدية كالفلنكات، وتستمر تدريجيا حتى الوصول إلى التمصير الكامل لصناعة قطاع الغيار.
وأشار فرج إلى أن واردات مصر تقدر بحوالى 100 مليار دولار سنويا، منها 25 مليار واردات قطاع الغيار فقط، وإذا نجحنا فى تمصير صناعة 20% منها فقط يعد نجاحا كبيرا ونحن قادرون عليه.
مصنع «سيبيماتيك» ليس ضخما أو كبير الحجم، إلا أنه بإمكانه تحويل الخردة المعدنية لقطع غيار عالية الجودة، وصناعة قطع أخرى بدقة عالية أيضا، وكان المصنع بعدد عماله القلائل يعمل على قدم وساق لتنفيذ تعاقده مع شركة «إيبارا» اليابانية التى تبنى محطة مياه بنى جميل فى سوهاج، حيث تعاقدت مع الشركة المصرية على توريد المكون المحلى للمحطة بالكامل بعقد قيمته 3.5 مليون جنيها، وهو ما وفر على الحكومة المصرية مبلغ 15 مليون جنيه إذا تم استيراد هذه المكونات من الخارج حسب فرج.
وكغيره من رجال الصناعة يعانى فرج مشكلات عدم توافر العمالة المدربة، وبيروقراطية شديدة فى الإجراءات، وصعوبة الحصول على الأراضى، وعدم قدرته على تسعير منتجاته للتحرك السريع فى سعر الصرف يوميا، وهو ما أمر يصعب معه رسم أى سياسة استثمارية.
مصنع البلاستيك
الزيارة التالية كانت لمصنع «بولى بلاست» للبلاستيك المتخصص فى صناعة لوحات «البولى كاربونيت» المستخدم كبديل للزجاج فى الأسوار والأبواب وتغطيات المولات وحمامات السباحة والصوب الزراعية أيضا، وهو الاستخدام الذى لم تستفد منه مصر حتى الآن.
مع وصولنا للمصنع كان بانتظارنا رئيس مجلس إدارته، وكان من المدهش بالنسبة لنا أن هذا المصنع الذى يعد من القلائل فى الشرق الأوسط الذى ينتج هذه المنتجات بجودة مرتفعة ولا ينافسه فى الشرق الأوسط فى التكنولوجيا المستخدمة سوى مصنع آخر فى تل أبيب، أن رجل الأعمال الذى يملكه هو شاب لا يتعدى سنه 35 عاما فقط.
الشاب مالك المصنع يدعى المهندس عمرو فتوح، صاحب أول مصنع فى مصر لإنتاج لوحات «البولى كاربونيت» ويصدر لعدد كبير من الدول العربية، وعلى رأسها دبى والسعودية والكويت والبحرين والسودان وليبيا وكوريا وسوريا، وقد بدأ تأسيس المصنع 2011 قبيل أيام من اندلاع ثورة يناير، وقد تكلف خط الإنتاج بالتكنولوجيا التى يعمل بها حوالى 25 مليون جنيه.
ما سبق يعد إنجازا لشاب فى مثل عمره، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر لديها قاعدة صناعية ويمكنها إنتاج سلع بجودة عالية تنافس عالميا، ورغم ذلك تعانى هذه الصناعة من مشاكل ومعوقات كبيرة قد تؤدى لتوقفها بالكامل، وهو ما يواجهه هذا المصنع المتفرد فى إنتاجه حاليا، حيث كانت زيارتنا له، يوم الاثنين، وأعلن رئيس مجلس إدارته أن المصنع سيتوقف نتيجة نفاد المواد الخام، وهى الأزمة الكبرى التى تواجه كل المصانع جراء النقص الحاد فى العملة الصعبة التى تستخدم فى استيراد الخامات.
المصنع الذى يعد من المصانع المتوسطة، يعمل بخط إنتاج أوتوماتيك متطور تكنولوجيا، ولكنه كان شبه فارغ من بعض الأجولة، وهو ما فسره «فتوح» بأن الأجولة القليلة العدد هى ما تبقى من خامات لا تكفى سوى لعمل يومين فقط، سيتوقف المصنع بعدها لفترة لن تقل عن أسبوعين حتى يتمكن من استيراد خامات جديدة يعاود بها العمل مرة أخرى، وهو ما يسهم بالتبعية فى تخفيض الصادرات من المنتجات المصرية.
ونتيجة أزمة الدولار بلغت خسائر المصنع 700 ألف دولار خلال الشهرين الماضيين لعدم قدرته على الوفاء بالعقود التصديرية، وتم تخفيض الطاقة الإنتاجية للثلث تقريبا إلى 150 طن شهريا، مقابل 400 طن فى الأوقات العادية.
وطالب فتوح البنك المركزى بإعادة فتح الاعتمادات المستندية للمصانع والمتوقفة منذ بداية العام، مؤكدا أنه عرض على البنك الأهلى فتح الاعتماد على أن يتم السداد للبنك بالدولار خلال 90 يوما بعد أن يتم الإنتاج والتصدير وتوفير العملة الصعبة، إلا أن البنك يرفض. ويورد مصنع بولى بلاست لوحات البولى كاربونيت للأبنية التعليمية بعد لقاء برئاسة الجمهورية، عقب حادث الطالب الذى توفى بلوح زجاج، ويؤكد فتوح أن مصنعه لم يعد قادرا على الوفاء بمتطلبات المدارس التى تم الاتفاق عليها بسبب أزمة العملة.
الحلول الإليكتروميكانيكية
المهندس هانى رشاد الشريك المصرى لشركة «ميكيور مصر للحلول الإليكتروميكانيكية» بمدينة بدر أيضا وهى فرع للشركة الأم فى إيطاليا يوضح أن هذه الشركة تعد حديثة النشاط منذ بداية عام 2014، وتعد أول شركة مصرية لصناعة القطع المغذية لصناعة الأجهزة المنزلية والكهربائية، حيث تورد لكبرى الشركات المحلية وتصدر للخارج القطع المغذية لصناعة هذه الأجهزة مثل مفاتيح البوتاجاز وموتور الشواية على سبيل المثال لا الحصر، مما أدى لتقليل الاعتماد على استيراد هذه الأجزاء من الخارج.
ورغم حداثة مصنعه فإنه يعانى أزمات القطاع الصناعى بالكامل، والتى أخطرها حاليا أزمة الدولار وتوقف البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية اللازمة لبدء عمليات استيراد المواد الخام تماما منذ أبريل الماضى، وهو ما نتج عنه قيام الشركات الكبرى المصنعة للأجهزة المنزلية والكهربائية باستيراد القطع المغذية من الخارج، لأن مصنعه لم يعد قادرا على الوفاء بمتطلباتها. ونتيجة هذه الأوضاع توقف مصنعه عن العمل لحوالى ثلاثة أيام لعدم وجود الخامات، كما أنه لم يعد قادرا على تسعير المنتجات نتيجة التغير السريع جدا لسعر الصرف.
وكمثل المصانع السابقة التى شملتها الجولة، واجهت «ميكيور» مشكلات تتعلق بالبيروقراطية والفساد فى إنهاء التراخيص، واتجه الشريك المصرى لتأجير أرض صناعية، لأنه لم يجد أرضا لدى هيئة التنمية الصناعية، مؤكدا أن هذا هو حال أغلب مصانع المدينة، حيث إن من يملك المال هو من يشترى الأراضى الصناعية، وليس المستثمر، وبالتالى يلجأ أغلب مستثمرى المدن الصناعية لتأجير الأراضى الصناعية من سماسرة وتجار، ولا يوجد سعر واضح للمتر لأنه يحدد حسب أهواء السمسار.
ويواجه رشاد مشكلات تتعلق بطبيعة صناعته تتمثل فى وجود تشوهات جمركية، حيث إنه كمصنع يدفع رسوما جمركية على المواد الخام بنسبة 10٪، فى حين أن المستورد للمنتج النهائى من الخارج يدفع رسوما جمركية نسبتها 2% فقط، مشيرا إلى أنه خاطب العديد من الجهات على رأسها وزارة المالية وغرفة الصناعات الهندسية فى اتحاد الصناعات لإعادة دراسة هذا الوضع المختل، ولكن فى النهاية لم يكن هناك أى استجابة من أى جهة.
وفى مقابلة مع المهندس علاء السقطى، رئيس مجلس إدارة شركة باك تك، فى مكتبه بمنطقة المعادى والذى كان يشغل منصب رئيس جمعية مستثمرى بدر سابقا، أكد «أننا نعانى من أزمة عملة حقيقية، حيث كان يجب على الحكومة إجراء دراسة حقيقية قبل اتخاذ قرارها بتقييد العملية الاستيرادية ففعليا ما حدث هو تقييد استيراد مدخلات الإنتاج اللازمة للصناعة المحلية، وهو ما أدى فى النهاية لتهديد المصانع المصرية بالتوقف عن الإنتاج».
ويشغل السقطى حاليا عضوية مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ضمن مجموعة مميزة من رجال الأعمال والصناعة المصريين فى التشكيل الجديد لمجلس الإدارة الذى تم قبل حوالى 6 أشهر، وهى ما يعنى بالتبعية أنه أحد المسؤولين عن إعداد وصياغة استيراتيجية الاستثمار فى مصر خلال المرحلة الحالية والمقبلة، وهو ما يقول عنه السقطى: «كان تخيلى للمجلس أنه سيأتى ليضع خريطة للاستثمار فى مصر، خاصة أن التشكيل الحالى يضم رجال صناعة وتجارة على أعلى مستوى، وهم المهندس حسين صبور الرجل العقارى الأول فى مصر، ومحمد فريد خميس رجل الصناعة الأول، وأحمد الوكيل رجل التجارة، وطارق توفيق عملاق الفرنشايز، وعلاء السقطى فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأحمد مشهور رئيس جمعية شباب الأعمال، وخالد سرى صيام القانونى المميز فى صياغة القوانين».
وتابع السقطى: «الناس دى لو قعدت مع بعض تقدر تحط حلول ورؤية لكل مشاكل الاستثمار والصناعة فى مصر لكن للأسف ده محصلش.. بنقعد فى الاجتماعات نراجع جداول المرتبات للعاملين فى الهيئة وحتى الآن لم نر تعديلات قانون الاستثمار التى أعلنت الوزيرة الانتهاء منها ولم تعرض علينا على الإطلاق». وطالب السقطى الحكومة بالإسراع فى وضع استراتيجية وخطة واضحة الأهداف والآليات للاستثمار فى مصر ودعم القطاع الصناعى، حتى يمكن احتواء أزمة الدولار بصورة فعالة.
ويرى السقطى أن معوقات الصناعة فى مصر لا تقتصر على العملة فقط، وإنما هناك العديد من المشكلات الأخرى التى تتمثل فى عدم وجود أراضٍ صناعية، وصعوبة الحصول على التراخيص، وفى هذا السياق أشار إلى أن بعض المصانع فى مدينة بدر الصناعية تتعاقد مع سماسرة عقارات لإنهاء التراخيص اللازمة لبدء عمل المصنع، مؤكدا أنه فى الوقت الذى تستمر إجراءات التراخيص فى المعتاد عاما كاملا وأكثر، يمكن للسمسار إنهاء كل الإجراءات خلال شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
مصنع زجاج ينافس المنتجات التركى.. ومالكه: يجب إحكام الرقابة على المصنٍّعين ومزايدات الأراضى الصناعية تحتاج إلى معايير مشددة لمنع دخول السماسرة
«عقدة الخواجة وتفضيل المنتج الأجنبى» أحد أهم المعتقدات الخاطئة التى نشأ عليها المستهلك المصرى الذى يسعى إلى شراء كل ما هو أجنبى لما يسمعه طول حياته عن أفضيلته عن مثيله المصرى وما يتميز به من تطور وحداثة.
هذه الشائعات التى أثبت الواقع عدم صحتها فى كثير من الأحيان، هى أخطر ما يهدد الصناعة المحلية بالانهيار، ويؤدى إلى تشريد الآلاف من الأيدى العاملة، وهو ما دفع الدولة المصرية إلى تبنى حملة تهدف إلى حث المستهلكين على شراء المنتج المصرى من باب دعم صناعتنا المحلية فى مواجهة المنافسة الشرسة التى تتعرض لها.
«اليوم السابع» زارت عددا من المصانع فى المنطقة الصناعية الثالثة بمدينة «6 أكتوبر» ومنها مصنع للصناعات الزجاجية، ومصنع للكرتون، ومصنع لتصنيع الأدوات المعدنية والخشبية، للتعرف على احتياجات المستثمرين هناك والعقبات التى تواجههم لتحقيق مزيد من الارتقاء بالصناعة الوطنية، حتى تستطيع أن تحل محل المنتج المستورد، وكانت المفاجأة التى كشفتها الجولة أن هناك كثيرا من المنتجات المصرية لها تواجد قوى فى الأسواق العربية والأفريقية بل والدول الأوروبية.
وكانت بداية الجولة داخل المصنع الذى يحمل اسم «المصرية لصناعة المنتجات الزجاجية» أحد أشهر وأهم المصانع فى منطقة 6 أكتوبر بأكملها نظرا للأصناف العديدة التى يقوم بإنتاجها وتحمل اسم «الجوهرة» ونظرا لجودة منتجاتها يتم تصديرها إلى العديد من دول الخارج.
المصنع الذى تم تأسيسه فى 2003 على مساحة 5000 متر بتكلفة تصل إلى 25 مليون جنيه وطاقة إنتاجية تصل إلى 170 طنا شهريا، يحمل قصة طريفة كانت سببا رئيسيا فى وجوده وتحويله من مصنع للكارتون إلى مصنع للزجاج، وذلك بعد مشاهدة مالكه للقاء تليفزيونى لأحد الخبراء الذى أخذ يعدد مزايا صناعة الزجاج، منها وفرة المواد الخام نتيجة لوجود «رمال السليكا» فى مصر، والتى تحتوى على أكثر من 70٪ من مخزون العالم لتلك المادة، وهو ما يشرحه مالك المصنع محمد درويش بقوله: «بعد استلام الأرض وبداية التجهيز لتشييد مصنع الكرتون فى 2003 وهو العام الذى تصادف معه قرار مصر بتعويم الجنيه شاهدت أحد الخبراء يعدد مزايا الاستثمار فى صناعة الزجاج، وهو ما دفعنى لتصنيع المنتجات الزجاجية باسم «الجوهرة» والتى أخذت شهرة واسعة خلال عدة سنوات فقط، واستطعت منافسة المنتجات الأجنبية والتفوق عليها فى أحيان كثيرة، وبالفعل قمت بالتصدير إلى العديد من الدول العربية، والأفريقية، والأوروبية ومنها بلاد تشتهر بهذه الصناعات ذاتها ومنها «فرنسا وتركيا».
وبرغم النجاحات التى حققها المصنع، سواء على المستوى المحلى والدولى فإن مالكه كشف عن عدد من المطالب التى يجب تحقيقها لازدهار الصناعات الوطنية، ومنها حل أزمة نقص الأراضى الصناعية، والرخصة السنوية، والمطالبة بإحكام الرقابة على الصناعات للتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات القياسية، حرصا على سمعة المنتج المصرى فى الخارج.
مصنع النيل لإنتاج الكرتون
بجانب المصنع السابق كان يوجد مصنع النيل لإنتاج الكرتون ومواد التعبئة والتغليف المستخدم فى تعبئة المواد المصنعة والذى يملكه نفس المستثمر السابق.
يقع مصنع النيل على مساحة 10000 متر بطاقة إنتاجية 150 طنا فى الشهر، ويعمل به نحو 200 عامل برأس مال يصل إلى 43 مليون جنيه.
وقال محمد درويش، إن مصر لها شهرة واسعة فى صناعة الكرتون، مشيرا إلى أنها من المشروعات ذات العائد الاقتصادى والربحى القوى وكشف أن الأزمة التى تواجه العاملين فى هذه الصناعة هى حاجتها إلى استثمارات ضخمة تصل إلى 6 ملايين دولار، لكنه يستطيع تغطية تكلفته خلال عامين فقط بجانب حاجته إلى تكنولوجيا عالية وهو ما يدفعنا إلى استيراده من الصين.
كما تعتبر من أهم الأزمات التى تقابل عددا من المستثمرين، الحصول على أرض صناعية، وذلك إما لافتتاح مصانع جديدة أو توسعة صناعتهم لتحقيق مزيد من الاستثمارات وخلق فرص عمل تستوعب المئات من الأيدى العاملة، ولكن تقف قلة الأراضى الصناعية عقبة فى تحقيق تلك الأهداف، وهو ما يؤكده درويش بقوله إن نقص الأراضى الصناعية فى أكتوبر يمثل أهم العقبات أمامنا.
وكشف درويش أن نظام المزايدات الذى يتم اتباعه فى الوقت الحالى لمنح الأراضى الصناعية تسبب فى تفاقم الأزمة، نتيجة لافتقاده للمعايير المطلوب توافرها فى المتقدمين للمزاد، ومنها الملائمة المالية وتقديم ضمانات مالية تؤكد على قدرة المتقدم على بناء المصنع فى حالة استقرار المزاد عليه ومنحه الأرض مثلما كان يحدث فى الماضى، وهو ما يستغله السماسرة للدخول فى المناقصة للحصول على الأرض وبيعها لحسابهم مرة أخرى.
فى الوقت الذى يشكو فيه الكثير من الشباب من البطالة نجد أن الشكوى الأساسية لعدد كبير من المستثمرين تتمثل فى نقص الأيدى العاملة، فحسب كلام درويش فإنه لا يشترط أن يكون العامل مدربا أو له سنوات خبرة معينة، فأصحاب المصانع يعملون على تدريب العمال مع التكفل بالراتب والإقامة والوجبات الغذائية، مشددا على أن هناك آلاف فرص العمل الحقيقية التى تكفل لصاحبها أجرا مناسبا دون أن تجد من يشغلها.
طالب درويش بضرورة إحكام الرقابة على الصناعة المصرية، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق الاشتراطات القياسية لضمان التزام كل مصنع بالجودة حرصا على سمعة المنتج المصرى فى الخارج.
وأكد أن غياب الرقابة تسبب فى دخول عدد من الدخلاء على الصناعة الذين قاموا بتصنيع منتجات رديئة بحثا عن المكاسب المالية السريعة، مما أسهم فى تكوين صورة سلبية عن المنتج المصرى فى عدد من الأسواق الخارجية.
وكشف درويش أن ذلك دفعه إلى عدم كتابة «صنع فى مصر» بسبب رفض عدد من الأسواق الأوروبية استقبال المنتجات المصرية بسبب هذا التشويه الذى يتعرضون له.
وأكد درويش أن مصر بها عدد من الثروات التى منحها الله لها، والتى قد تجعلها فى وضع اقتصادى أفضل بكثير من غيرها، بشرط أن تكون هناك إدارة رشيدة لتلك الموارد يحسن استغلالها، ومنها «الحجر الجيرى» الذى يستخلص منه مادة بيكربونات الصوديوم التى تستخدم فى العديد من الصناعات ويعتبر مادة نادرة فى العالم، كما أن المصانع التى تعمل على استخلاصه قليلة للغاية، وتعد على أصابع اليد الواحدة، بحسب وصفه.
وتابع: للأسف الشديد كان مملوكا للدولة المصرية حتى وقت قريب ولكن تم بيعه لإحدى الشركات الخاصة التى عمدت إلى تخفيض الإنتاج إلى النصف لأسباب غير مفهومة لذلك يضطر العديد من المستثمرين إلى استيراد تلك المادة من الخارج بالعملة الصعبة فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة الدولار.
صناعة «الأوت دور»
مصنع محمود برعى تم تشييده على مساحة 14000 متر وباستثمارات تبلغ 80 مليون جنيه جعلته من أكبر المصانع فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا فى صناعة المقابض المعدنية ومستلزمات الحدائق من برجولات خشبية وكراسى أو ما يطلق عليه «الأوت دور» بجانب تصنيع الأثاث المنزلى من مطابخ وصالونات وغيرها.
«إحنا أحسن بلد فى العالم بتشجع المستثمر والاستثمار وناس كثير عملت ملايين من البلد وللأسف بيخرجوا بعد كده يشتكوا من مناخ الاستثمار» هكذا بدا برعى حديثه مشيدا بمناخ الاستثمار فى مصر وبتدعيم الدولة للمستثمرين، برغم ما وصفه من وجود بعض السلبيات، على حد تعبيره. ويؤكد برعى: «يعنى مع كل الشكوى من البيروقراطية وغيرها مصر أفضل بلد يساعد المستثمر على النجاة فيكفى أن البنوك تقوم برفع الفائدة على الودائع»، مضيفا: هناك بعض الأزمات التى قد يعتبرها البعض بسيطة ولكنها تمثل معاناة حقيقية للمستثمرين، ومنها تعدد الجهات المانحة للترخيص، فيكفى القول إن المستثمر يخضع لرحلة طرق أبواب جهات عديدة تتخبط وتتصارع فيما بينها على الاختصاصات لمدة 6 أشهر على الأقل من أجل الحصول على رخصة عام واحد فقط تجدد كل عام بنفس المعاناة حيث لا توجد رخص دائمة.
وكشف أنه حتى وقت قريب كانت المصانع تحصل على ترخيص لمدة 5 سنوات، ولكنه صدر قرار بتعديل المدة لتصبح عاما واحدا فقط تجدد بعدها لنفس المدة، وهو ما يسبب أزمة حقيقية للمستثمرين.
محررة «اليوم السابع» أثناء لقائها بالعاملين فى مصانع «مدينة بدر»
مصنع البلاستيك المتخصص فى صناعة لوحات «البولى كاربونيت» كبديل للزجاج
مصنع الكرتون وصناعة التغليف
عامل فى مصنع للصناعات الهندسية واللحام التخصصى
عمال فى مصنع الكرتون
عامل فى أحد مصانع البلاستيك
صناعة الزجاج
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة