من الإفيهات الشهيرة للرئيس السادات - الله يرحمه - فى إحدى خطبه، أنه سأل رئيس وزراء شهير جدا "لا أريد ذكر اسمه من باب اذكروا محسن موتاكم"، عن الوضع الاقتصادى فقال له "بلبّس طاقية ده لده"، وكانت عبارة بليغة وحاسمة تكشف نظرية "الطاقية" فى علاج الأزمات، التى تنتقل من أزمة لأزمة ومن رأس لرأس، وتعالج الأمراض الاقتصادية المزمنة بالإسبرين والمسكنات، دون حلول جذرية تضع فى حسبانها عشر سنوات أو عشرين سنة قادمة، وتمخض عن ذلك عشوائيات متراكمة، ليست فى الدويقة والترجمان ومثلث ماسبيرو فقط، لكن فى قطاعات عديدة من حياتنا .
يبدو أن الدولة المصرية فى المرحلة الراهنة أدركت عقم نظرية الطاقية وفشلها، وأنها مسئولة عن الأزمات والكوارث، وهو ما يدفعها لتبنى مشروعات قومية كبيرة تستغرق وقتا فى تنفيذها، ولا يظهر عائدها سريعا اليوم أو غدا، لكنها تجسد تغييرا فى الفكر وتعديلا فى استراتيجية التعامل، وإذا ضربنا مثلا بالأنفاق الأربعة التى يتم حفرها أسفل قناة السويس، لربط سيناء بمصر بشبكة من الطرق تنهى عزلتها، وتضعها فى صدارة المناطق المستهدفة بالتنمية، وتنفيذ نموذج لمشروعات المستقبل، لأن سيناء هى الأرض الواعدة والعمق الاقتصادى الاستراتيجى، وبعد تخليصها من بقايا الإرهاب، ستكون مهيأة لاستقبال مشروعات واستثمارات واعدة، لن يتم تنفيذها إلا ببنية أساسية قوية .
كان بوسع الدولة أن تستريح، وتريح نفسها من صداع انتقادات الإحباط والتشكيك، وتوفر فلوسها، وتنفقها على مشروعات أخرى عائدها سريع وعمرها قصير، فيفرح الناس ويصفقون، ويعترض - أيضا - الخبراء والمحللون، ولا تغامر بحفر قناة السويس الجديدة ولا اقتحام مشكلة العشوائيات، والشبكات العملاقة للطرق والكبارى، والمدن الجديدة واستصلاح الأراضى، وغيرها من المشروعات التى تغير وجه الحياة فى مصر، وتخفف عن الأجيال المقبلة، الأعباء الثقيلة التى يتحملها الجيل الحالى .
عاش المصريون منذ سنة 52 فى ظل حكومات تخيفهم دائما من المؤامرات والاستهداف، وتعدهم بالخروج من عنق الزجاجة، فأصبحت تلك الفزاعات جزءا لا يتجزأ من برامج الحكومات المتتالية، حتى زادت المؤامرات وطال عنق الزجاجة.. والمؤشرات الآن تشير إلى أن الفكر يتغير، والرغبة حقيقية فى التنمية والبناء على قواعد سليمة، بدلا من "الطاقية" التى لم تق حرا ولا بردا.