قد تختلف مع الدكتور أحمد زويل.. وهناك بالفعل كثيرون اختلفوا مع توجهاته وأفكاره، لكن الجميع احترم وقدر إصراره على أن يدفن فى تراب بلده، كانت هذه الرغبة وكأنها الرسالة الأخيرة والأهم من عالم نوبل لكل شباب مصر، وكأنه كان يقرأ ما يدبر لبلده ولشبابها وأراد أن يضرب المثل وينبه أن الانتماء للوطن ليس فقط فى الحياة، وإنما يمكن أيضا أن يكون بعد الممات.
ما فعله زويل هو ما كنا نحتاجه فى هذا التوقيت تحديدا ومصر تتعرض لمخطط خبيث تنفق عليه المليارات، هدفه الأساسى سرقة الانتماء من شبابها، قد يكون المصطلح غامضا بعض الشىء، لكن لا تتعجل واصبر قليلا فربما يضيع الشرح هذا الغموض.
فبعد أن فشلت كل المحاولات لإسقاط هذه الدولة المبتلاة، من إرهاب لا يهدأ، وحصار اقتصادى بلغ أشده، وفتن لا تتوقف، وإشعال حرائق فى كل مكان، وثبت أن كلمة السر، التى أفشلت كل هذه المؤامرات هى تماسك المصريين وإيمانهم بوطنهم والانتماء إليه مهما بعدوا عنه، والتضحية من أجله مهما كان ما يعانون منه، تأكد من يضمرون الشر لمصر، وكلنا نعرفهم، أن الحل لإسقاطها اللعب على عقول شبابها وهويتهم وضرب انتمائهم لبلدهم، بحيث يتحول الشاب المصرى من العشق الأبدى لتراب بلده إلى إنسان غاضب ورافض وربما كاره لكل من حوله.
وبدلا من أن يكون نموذج الشباب كما كان دائما الجندى، الذى قهر المستحيل وأبهر العالم فى 73 وواجه الموت وتحدى الإرهاب واستشهد من أجل حماية أهل بلده فى سيناء، تصبح غايتهم البحث عن وسيلة للتهرب من التجنيد، أو انتهاز الفرصة للهجرة إلى الخارج مهما كان الثمن والمخاطر التى تنتظرهم، فالمستهدف أن يتحول الشاب من سر قوة مصر وعظمتها إلى وسيلة انهيارها، هذا هو ما يتم تنفيذه الآن، وتشارك فيه منظومة متكاملة تدار بحرفية ومكر.
فالإعلام الممول دوره واضح ومحدد، أن يزرع الإحباط فى قلوب الشباب المصرى على اختلاف ثقافتهم وإمكانياتهم، فيروج كل يوم للفساد والوساطة والمحسوبية ويظهر الصورة وكأنه لا مكان للفقير ولا حق له فى بلده لأنها بلد الأغنياء والكبار، وخيرها قاصر على حفنة من الانتهازيين، يحشد الشباب للغضب، يبث فيهم الكراهية والتطرف فى الفكر، ويشعل الأزمات ويضخمها.
المثقفون المأجورون لا يقدمون رؤية إبداعية للمستقبل بقدر ما يرسخون لفكرة دولة القهر والفشل والديكتاتورية.
الاقتصاديون والمستثمرون المتآمرون يغلقون أبواب العمل ويضيقون مساحات الاستثمار ويبخلون على بلدهم بأى قدر من الدعم وفى المقابل يهربون أموالهم للخارج.
التجار الموجهون يسرقون قوت الشعب ويحتكرون السلع ليشعلوا بها الأسواق ويتربحون من جيب المواطن بلا رحمة.
رجال الدين المغيبون ينتهزون المنابر سواء فى المساجد أو الفضائيات ليبثوا سموم الفتنة.
المدارس الدولية التى لا ترفع العلم المصرى ولا تحييه كل صباح ولا تنطق كلمة من نشيدنا الوطنى فى أى طابور، بل ولا تدرس حتى تاريخ البلد، وتصر على أن تعلم تلاميذها وطلابها أخلاقيات وتقاليد وقيمًا مختلفة.
وبجانب كل هذا تأتى الحملات المتعمدة والمدفوعة لتشويه للوطن بالشائعات التى لا ترحم، وفى مقابلها إعلانات عن الوطن البديل والفرص، التى لا تعوض وكلها تصب فى النهاية فى طريق واحد، خلاصته أن الوطن لم يعد ترابا وعلما وعرضا، وإنما مال ورفاهية وثراء .
هدف كل هذا أن تتحول بوصلة الانتماء لدى المصريين أو أن يقل إلى أدنى المستويات بحيث تصبح مصر عند أبنائها مجرد مكان مؤقت للإقامة ينتظرون لحظة الهروب منه، وإلى أن يتحقق هذا الأمل الخادع فهم ناقمون على المجتمع، غاضبون على الحكومات، غير قابلين لأى مشروعات أو قرارات، لا يرون أملا ولا يفكرون سوى فى أنفسهم ولا يهمهم أن ينهار الوطن أو يحتل أو يسقط.
هذا هو المخطط الذى حذر وما زال يحذر منه الرئيس وقبله حذر كثيرون وناشدوا أن تتوحد الجهود لمواجهته قبل أن يضرب البلد فى مقتل.
الأمر ليس سهلا ولا بسيطا ولا كلام إنشاء، وإنما مخطط حقيقى إن لم نلتفت إليه إعلامًا ومثقفين وحكومة أيضا فربما نندم كثيرًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة