كثر الحديث هذه الأيام حول الدعم الذى تقدمه الدولة إلى الشعب، والذى يعد من إرث المرحلة الناصرية الاشتراكية، المسؤولون لا يريدون لهذا الدعم أن يستمر، والناس فى الشوارع تخدعهم بعض المقولات البراقة التى تبشرهم بمستقبل سعيد وحياة هنيئة مرفهة إذا ما تم إلغاء هذا الدعم على بعض السلع وبعض الخدمات، وساعد فى هذا أن لدى غالبية الشعب المصرى يقين بأن هذا الدعم يُسرق، وأن حقوقهم تضيع، وليس إعلان إلغاء الدعم بالنسبة لهم سوى شهادة وفاة رسمية لميت بالفعل، وكأن الشعب وجد نفسه محاصرًا بين أن يسرق بالفساد أو يموت بالحاجة والكساد فاختار أن يموت على أن يسرق.
بالنسبة لى فإنى لا أجد سببًا وجيهًا للاعتراض على تطبيق أى نظام اقتصادى بشرط واحد، هو أن يتم تطبيقه كاملًا، وإن كان قلبى دائمًا ما يميل إلى «العدالة الاجتماعية» وإلى مراعاة الفقراء بشكل كامل، لأسباب لا تتعلق بالميل السياسى فحسب وإنما تتعلق بالحقوق الآدمية والسلام الاجتماعى والاستقرار المعيشى، لكن فى الحقيقة فإن أكثر ما يؤلمنى هو أننا فى الغالب لا نأخذ من النظم الاقتصادية إلا شرورها، فإذا طبقنا النظام الاشتراكى أخذنا منه ضعف الأجور وتردى الخدمات، وإذا طبقنا النظام الرأسمالى أخذنا منه نار الأسعار وتسليع الحقوق، وفى الحالين يجد المواطن نفسه محاصرًا بالنار بين هذا أو ذاك، متحصلين على رواتب «اشتراكية» ونشترى بأسعار «رأسمالية».
يريدون رفع الدعم عن الخدمات، وماذا فى هذا؟ نحن لا نأخذ دعمًا، ولا نتحصل على خدمات، وإن كان ما يرددونه صحيحًا من أن هذا سيعود بالفائدة على الوطن والمواطن فإنى لا أمانع من رفع الدعم جزئيًا، أو كليًا بشرط واحد وحيد أن نحصل على دولة رأسمالية حقيقية، فخذوا الدعم وارفعوا الجمارك المبالغ فيها عن كل شىء، وخذوا الدعم واسمحوا بحرية التجارة الحقيقية، وخذوا الدعم وفعلوا قوانين حماية المستهلك، وخذوا الدعم وامنحونا مدارس لا تجهل أبناءنا، وخذوا الدعم وامنحونا مستشفيات لا تقتلنا، وخذوا الدعم ووفروا غطاءً تأمينيًا للمصريين يكفيهم شر الحاجة فى وقت الضيق، وخذوا الدعم وطبقوا برامج المساعدات الحكومية لغير القادرين، وبدلًا من إغراقنا بالوعود «البراقة» امنحونا نموذجًا واحدًا على جدوى المجتمع الرأسمالى الصرف الذى تبشروننا به، لكى لا يشعر الشعب أنكم تسلمونه إلى المجهول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة