لم تنجب محافظة فى مصر علماءً وأدباءً وفلاسفة وفقهاء وشعراء قدر ما أنجبت المنيا، ويعوزنى الوقت لكى أكتب عن لويس عوض، ويعقوب الشارونى ومجيد طوبيا وعمار الشريعى.. إلخ، وبعد أن استعرضنا تاريخ طه حسين والأخوان على ومصطفى عبد الرازق، لازلنا فى شمال المنيا، مغاغة، ومن قرية شارونة ولد لويس عوض، المثقف الموسوعى، والحجر الكريم الذى كلما ألقى الضوء عليه عكس شعاعًا مختلفًا، عالم وشاعر وأديب وفقيه وإنسان لا يمكن إدراك ماهية الأدب العربى دون معرفة العميد طه حسين، ولا يمكن فهم اللغة العربية دون الاطلاع على سفر «فقه اللغة» للويس عوض: «1915ـ 1990»، من شارونة إلى جامعة القاهرة لينال ليسانس الآداب بامتياز 1937 ثم الماجستير من جامعة كامبريدج 1943، والدكتوراه من جامعة بريستن 1953، رئيس قسم اللغة الإنجليزية 1954، ومشرفًا على القسم الأدبى بجريدة الجمهورية 1953، ولم يكن لويس عوض مثقفًا تقليديًا بل كتب عن هموم شعبه، ورغم أن الجمهورية كانت جريدة الثورة إلا أن ذلك لم يشفع له واعتقل مع اليساريين - لم يكن يساريًا- من 1959 وحتى 1962.. لكن المرحلة الناصرية التى كانت تقدر حتى خصومها أعطته وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى فى عيد العلم 1966، انتقل بعد المعتقل ليعمل مشرفًا ثقافيًا فى جريدة الأهرام، ومن الأهرام اكتشف الشاعر الكبير أمل دنقل، وكتب أهم دراسات فى النقد التطبيقى المعاصر.
درست كتبه فى جامعات العالم الكبرى لأنه أول من وضع الأساس النظرى للمنهج التاريخى للنقد فى ثلاثيته: فن الشعر لهوارس 1945، بروميثيوس طليقًا لشلى 1946، وفى الأدب الإنجليزى الحديث 1950 وكان أستاذًا للأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا.لكن الكتاب الذى تمت مصادرته من الأزهر «فقه اللغة»، دارت حوله معارك فكرية كبرى وتم تهديده بالموت من أجله واتهمه بعض السلفيين بأنه يهدف إلى تزوير اللغة العربية والتهجم على الإسلام، وكتب عنه كبار الكتاب، كيف تأتى لهذا المفكر العملاق أن يثبر أغوار اللغة الإنجليزية وهو ابن قرية فى المنيا بشكل يحير علماء اللغة الإنجليزية البريطانيين الأقحاح، ومن أين لهذا القبطى المسيحى القدرة على الغوص فى أعماق اللغة العربية بشكل غير مسبوق حتى من فقهاء العربية الأقحاح؟!!
وفى الأدب تفوق فى رواية «العنقاء» التى انتقد فيها الشيوعية، وشاعرًا عملاقًا من أهم دواوينه « بلوتو لاند وقصائد أخرى»، ومسرحى أيضًا كتب موسوعة المسرح العالمى، وسياسى دفع ثمن كتاباته خمسة سنوات لنقده المرحلة الناصرية، ومن أشهر كتاباته «أقنعة الناصرية السبعة» التى دارت حولها معركة كبرى مع الراحل محمد حسنين هيكل والناصريين، وكان عضوًا للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية 1973، ولكل ذلك استحق أن ينال وسام فارس فى العلوم والثقافة من وزارة الثقافة الفرنسية1986.
فى كتابة «أوراق العمر» قدم لويس عوض العالم والكاتب والشاعر والأديب ما أسماه: سفر للتكوين، ربط فيه العام بالخاص بالدينى، لم يخفَ شيئًا عن فقر عائلته، وحبه للمنيا، وأحوال الوطن من مطلع القرن العشرين، وخلافاته مع الناصرية، وصدامه مع التيار الإسلامى، ومحنة الليبرالية فى مصر، ومولد الطبقة الوسطى. لويس عوض فارس حقيقى، وليبرالى من طراز وحيد، وقبطى علمانى لا غش فيه، كنت فى زيارته 1985، وفتح لى كتابه «لمصر وللحرية» وكان الإهداء: «فى عصر عبد الناصر صادرت لى ديكتاتورية ناصر خمسة مقالات وسجنتنى ثلاثة أعوام وفى عصر السادات لم تهتم الرجعية بمقالاتى فصادرتنى».