لم أجد وصفا لما يفعله الكاتب المصرى يوسف زيدان سوى كلمة «تلويش» التى لا أجد لها مقابلا فى الفصحى، ولكنها تعنى الضرب العشوائى فى كل شىء لإحداث ضجة مفتعلة، فالكاتب الذى من المفترض أن يكون «كبيرا» بدا فى ندوته الأخيرة التى عقدها بالمغرب أشبه بصغار الاستعراضيين الذين لا يهمهم عمق الفكرة ولا جدوى المشروع الفكرى وإنما يهمهم فحسب كل ما يثير ويجلب الأضواء، ملوشا فى كل شىء وأى شىء.
أزمات عديدة شهدتها تلك الندوة الجدلية، ولن أخوض هنا فيما أثير عن تصرفاته التى وصفتها الصحافة المغربية «بالصفاقة والصبيانية والابتزاز» لكنى لن أستطيع أن أتغافل عن حالة التهاوى الفكرى التى مثلها زيدان فى المغرب حتى ظهر وكأنه مراهق يقرأ لأول مرة فيصاب بالانبهار بعد قراءة رواية تاريخية «ما» فيظل يرددها فى كل مكان معتقدا أنه الوحيد الذى قرأها أو الوحيد الذى اكتشفها، دون أن يدرك أن لهذه الروايات سياق تاريخى واجتماعى وأدبى مختلف، وأنه وظيفته كـ«باحث» هى أن «يبحث» عن السياقات والملابسات وأن يعقد المقارنات بين الروايات المختلفة ليستخرج منها الحقيقة أو بالأصح «وجهة نظره عن الحقيقة» لا أن يخطف معلومة أو وجة نظر ويظل لها عاكفا معتقدا أنها لب الحقيقة وعينها.
فى الندوة الشهيرة سب يوسف زيدان كل شىء ودعا للتنازل عن كل شىء، فالفيلسوف الألمانى «إيمانويل كانط» بالنسبة له «عبيط» والعرب ليسوا أهل أدب أو علم وإنما «سراق أبل» والسلفيون ليسوا متشددين أو متطرفين فكريا، وهى كلها ادعاءات جوفاء لا تخرج من باحث كبير أو حتى صغير، فإن كان العرب ليسوا أهل أدب فلمن ينسب هذا التاريخ الضارب فى عمق الوعى العالمى، وإذا كانت كانط «عبيط» فما هو منجز «زيدان» الفلسفى الذى يميزه عن هذا الفيلسوف العظيم، وإذا كان السلفيون غير متشددين فمن هو المتشدد إذن؟
يؤسفنى أن أقول إن هذا الرجل أصبح واجهة مزيفة للأدب المصرى، وأنه يستغل العديد من المنابر الإعلامية المتاحة له لإحداث جدل مزيف لا يفضى إلى وجهة نظر متماسكة أو حتى يطرح سؤال حقيقى، وأكثر ما يؤسفنى هو أن روحه المتعالية المتجبرة المتكبرة كثيرا ما تجلب الاستعداء ليس على شخصه فحسب وإنما على المثقفين المصريين بشكل عام، وهو الأمر الذى يجب أن نقاومه ونقومه إن لزم الأمر، فآخر ما نحتاجه هذه الأيام هو هذا «التلويش».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة