كلما أضاء مسرح فى مدينة، أى مدينة، أضاء معه قطعة مظلمة فى تلك المدينة، وكلما زادت المسارح زاد النور بتنويعاته، فالمسرح هو أبو الفنون.
فماذا عن القاهرة التى كانت يوما مضيئة بالمسارح سواء مسارح تابعة للدولة أو خاصة، ولكل منها جمهورها، وكانت زيارة المسارح جزءا من حياة المصريين ولم تخل برامج السياح العرب من ارتياد المسارح.
كل ذلك تغير، وانطفأت أضواء المسارح واحدا تلو الآخر سواء قطاع عام أو خاص، ولا مجال هنا لذكر الأسباب، فهى قصة طويلة حزينة، ولكن النتيجة أن مع طول غياب المسرح وغياب الجمهور عنه خرجت أجيال لم تتعود على ارتياده وصار المسرح أو مجرد مسرحية ناجحة حدث وخبر لا يتكرر كثيرا.
ومؤخرا بدأت بعض التجارب المسرحية فى القطاع الخاص كتجربة أشرف عبدالباقى، وبعدها تجربة قناة النهار، أسفرت عن ظهور أجيال جديدة من الممثلين وخاصة الكوميديانات، ورغم أنها أعادت الجمهور لعادة مشاهدة المسرح خاصة الشباب، إلا أننا لا نستطيع أن نقول إنها تجارب مكتملة النجاح أو النتيجة، لأن الكتابة أو النصوص هى أضعف ما فيها، رغم أن النص هو العمود الفقرى للعمل، فبلا نص يتحمل الممثل على المسرح عبئا ليس بهين.
ولا أريد أن أهيل التراب على تلك التجارب، بل بالعكس أصفق لها على أمل أن تكون معمل تفريخ للكاتب الموهوب والمخرج الجديد وليس للممثلين فحسب.
فأهلاً بالمسرح، وأهلاً برمضان هى أحدث المسرحيات التى أضاءت مسرح الهرم بعد طول إظلام.
محمد رمضان نجم شاب يصعد كالصاروخ سينمائيا وتليفزيونيا، وها هو يتجه لأبو الفنون والتلاحم مع الجمهور دون شاشة تفصله عنهم، ومنذ رأيت إعلانات المسرحية فى الشوارع دار فى عقلى سؤال: ما الذى يدفع نجما مطلوبا فى السينما والتليفزيون لأن يعمل على مسرح يستدعى مجهودا مضاعفا ومغامرة كبيرة، خاصة فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة وتذاكر المسرح الخاص ليست بالهينة؟ ولم أجد إجابة غير أن رمضان يريد أن يقول بصوت عال ولايف «أنا موهوب وأستحق النجومية، فحتى المسرح أستطيع غزوه».
وذهبت لمشاهدة المسرحية التى كتبها وليد يوسف، وأخرجها خالد جلال، ويشارك فى بطولتها أحمد فؤاد سليم وروجينا وهنا الزاهد وشيماء سيف وحسن عبد الفتاح وحسام داغر.
المسرحية تحكى عن رجل ثرى جدا لديه أربعة أبناء وكلهم فاشلون لغياب وعدم اهتمام الأب، وخادمهم رمضان هو الوحيد الذى يعرف أسرارهم وفشلهم، وحين يقع الأب فى مأزق قانونى يضطر إلى أن يكتب ثروته باسم الخادم الذى يعيد الأبناء لصوابهم.
وتبدو الفكرة شبيهة إلى حد كبير بفكرة مسرحية الواد سيد الشغال مع بعض الاختلافات، ويبدو النص هو أضعف عناصر المسرحية، فى مقابل إخراج أسعف النص إسعافا مبدئيا، ليأتى الممثلون وعلى رأسهم محمد رمضان ليقدموا قبلة الحياة والروح لهذا النص.
محمد رمضان مفاجأة بكل المعايير على المسرح، حركة وأداء وروح كوميدية مختلفة تماما عما يقدمه على الشاشتين، وكأنه أجاب عن سؤالى وصدق حدسى، محمد رمضان يؤكد بـ«أهلاً رمضان» أنه ممثل لكل الأدوار، وأن أبو الفنون ليس بصعب عليه.
روجينا تبدو كيمياء الأداء لديها مع رمضان متواصلة منذ مسلسل الأسطورة، شيماء سيف إضافة لكل بسمة، وهنا الزاهد مازالت تبحث عن أرض أو نغمة فى الأداء، وكل ممثل فى العرض كان فى مكانه الصحيح ولم يكن مجرد سنيد للبطل، وهذا هو أفضل ما فى النص.
«أهلاً رمضان» تجربة مسرحية أضافت نورا للقاهرة، وهجه البطل ومن معه من الممثلين، ولذا فهو وهج ناقص، فمتى تُضاء مسارح مصر بمن مثل بديع خيرى وعشرات من الكتاب الموهوبين ليسلحوا ممثلين موهوبين بسلاح مضىء أكثر؟