ستظل للفساد إمبراطوريته التى لا تضعف ولا تخجل، مهما اشتدت الحرب عليهم ومهما تأكدت الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وتنوعت إجراءات المواجهة والردع، فالموضوع أكبر من هذا بكثير، الموضوع ثقافة وفئات أصبحت حياتها قائمة عل نتاج الفساد وبدونه لا يعيشون.
فى الفترة الأخيرة شكلت مجموعة من اللجان الرئاسية والوزارية وصدرت قوانين وقرارات رئاسية تدعم الأجهزة الرقابية فى عملها واتخذت قرارات وإجراءات حقيقية لمكافحة الفساد فى كل الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة، وأبلت معظم هذه اللجان والأجهزة بلاء حسنا فى أداء دورها وتم كشف العديد من بؤر الفساد، لكن بقيت الثقافة معششة فى الدواوين، فالأجهزة قبضت على عدد ليس قليل من الفاسدين لكن مناخ الفساد فى تلك المؤسسات وثقافة الفساد لدى المواطن ما زالت باقية ومتحكمة وتتطلب للقضاء عليها نفس طويل وإصرار.
وبالمنطق وبقراءة القرار الجمهورى المنشئ للجنة استرداد اراضى الدولة ومستحقاتها نتأكد أن أهم غرض من تشكيلها هو مواجهة الفساد الذى تمكن من بعض الهيئات صاحبة الولاية على اراضى الدولة وتسبب فى إهدار ملايين الأفدنة والاستيلاء عليها دون وجه حق، ومن أول يوم واجهت اللجنة بقوة كل عناصر الفساد، وكان أحد أهم أسباب تأخرها بعض الشئ فى ان تقدم نتائج ملموسة فى استرداد الاراضى أنها استغرقت وقتا ليس قليلا فى فك طلاسم منظومة الفساد حتى وضعت يدها على أس البلاء، ولا أكون مبالغا اذا قلت أنه كلما فتحت اللجنة ملفا وجدت بداخله شبكة عنكبوتية من الفساد وواجهت عقبات زرعت فى طريقها لعرقلتها عن اكمال مشوارها، لدرجة أن بعض الملفات القيت عليها ليس لأنها تستحق الاهتمام وإنما لتشتيت جهدها أو كفخاخ لتفجيرها وإسقاط مصداقيتها شعبيا، ولولا فطنة اللجنة منذ البداية لهذا الأمر لوقعت فى الفخ مبكرا، لكنها أفلتت من كمائن عدة نصبها فى طريقها الفاسدون والمتربحون من الأراضى، والأمثلة على على تشعب الفساد فى هذا الملف كثيرة ومنها أن يستولى شخص واحد على مساحة من الأراضى تفوق ما كان مملوكا لكبار العائلات الإقطاعية، وتصدر له ثلاثة قرارات إزالة منها قرار لمجلس الوزراء لكن مافيا الفساد تحصنه من تنفيذ القرارات لعشر سنوات كاملة، بل وتمنحه السلاح الذى يستخدمه لهزيمة الدولة حتى جاءت اللجنة وتمكنت من تنفيذ القانون واستعادة حق الدولة بكل قوة.
حالة أخرى لمحمية طبيعية يعرف الجميع طبيعتها وحظر أى تصرفات عليها ورغم ذلك يتم بيع مساحات منها بمعرفة جهة أخرى، وترك باقى المساحات ليعتدى عليها الأفراد ويسيطروا عليها أمام نظر كل الجهات المسئولة ليصل الحال الآن إلى أن المحمية شبه اختفت وأصبحت قرى سكنية كاملة وتصبح الدولة فى مواجهة مئات الأسر التى استقر حالها ولا يمكن أن تفعل معهم شيئا.
حالة ثالثة لقرارات ازالة تصدر وتقدم للجنة وعند التنفيذ تكتشف أن من صدر ضده قرار الإزالة يمتلك قرارا آخر بإلغاء الإزالة وبالتحقيق تكتشف أنه قرار مزور لكن بواسطة موظفين بالجهة المالكة، وبمناسبة قرارات الإزالة فقد تسبب الفساد فى أن ما يزيد عن 41 ألف قرار ازالة صدروا لرفع تعديات على أراضى الدولة خلال عشر سنوات لم ينفذ منها قرار واحد وإنما كانت تصدر فقط لتوضع فى الملف إتقاء شر الجهات الرقابية.
هذه نماذج لا تمثل سوى واحد على الف مما تقابله اللجنة كل يوم وهى تحاول استرداد أراضى الدولة، لكنها تصر على استكمال مهمتها وهزيمة الفساد وعدم الاستجابة لأى معوقات، وفى سبيل ذلك تتحلى بأكبر قدر من الصبر والدقة واليقظة، وقد نجحت بالفعل فى تحقيق تقدم يشهد به الجميع، فما استرجعته من أراضى مملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية خلال ستة أشهر فقط تعدى 6 آلاف فدان قدرت قيمتها السوقية بنحو 7 مليارات جنيه، وما استردته من اراضى هيئة التنمية الزراعية اقترب من 40 ألف فدان كانت تحت يد حفنة من المتربحين بأراضى الدولة دون وجه حق، ولأن اللجنة جادة وتكافح الفساد بحق فقد سارعت بالبدء فى الاعلان عن مزادات علنية لبيع هذه الأراضى للمواطنين.
الخلاصة أن هذه اللجنة التى يترأسها المهندس إبراهيم محلب أصبحت أحد أهم أدوات محاربة الفساد وهزيمته بالقاضية وتحديدا فى ملف خطير هو ملف الأراضى الذى عجزت الدولة على مدار عقود كاملة من تحقيق أى تقدم فيه، لكن جاء الوقت الذى يعلن فيه وبقرار رئاسى واضح أن لأراضى الدولة قوة تحميها ولجنة تستردها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة