صابر حسين خليل يكتب: أين كتبى؟!

الثلاثاء، 02 أغسطس 2016 08:00 م
صابر حسين خليل يكتب: أين كتبى؟! كتب - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الموت هو الحد الفاصل بين حياتين، وها أنا الآن أقف على هذا الحد، فأنا ميت منذ عدة أيام لكن روحى مازالت تعيش فى حياتى الأولى، دُفن الجسد وتوارى تحت الثرى، عينى مازالت ترى ورثتى وقد اقتسموا كل شيء الأموال والعقارات حتى أثاث منزلى لم يتركوا شيئاً، لا بل تركوا هذه الغرفة، لم يتنازع أحد عليها، لم يطلبها أحد، إنها مكتبتى المليئة بكل كتبى منذ أن كنت طفلاً حتى آخر يوم فى حياتى. فهذا الكتاب الموجود على المكتب آخر كتاب اشتريته، لم أضعه فى المكتبة بعد.

الورثة بعد أن اقتسموا كل شيء تنبهوا لأمر المكتبة وأرادوا التخلص منها وتبارى البعض منهم فى ذكر طرق التخلص من هذه الكتب التى تأخذ مساحة غرفة كبيرة، البعض قال نتبرع بها لمكتبة الجامعة وقال أحدهم بل نبيعها لتجار الكتب، فربما بيعت بمبلغ كبير. فرد عليه آخر بأى سعر نبيع نريد التخلص منها فحسب، وكانوا فيها من الزاهدين.

إلى هذا الحد هانت عليكم حياتى وذكرياتى. هذه المكتبة جمعتها على مدار ستين عاماً من الشراء، هذا الكتاب هو كليلة ودمنة من أوائل ما قرأت عندما كنت صبياً صغيراً ومازالت حواشيه تحفظ تعليقاتى حتى الآن، وهذه مجموعة إحسان عبد القدوس، هى زادى العاطفى فى بداية شبابى، لازالت أشعارى تملأ أركانها.

أى ورثتى هل نسيتم كم كنت أحب هذه الكتب، وكم كنت حريصاً على قضاء وقتى وسط هذه الكتب، كنت أحدثها ساعات طوال، وكانت تسمعنى وتبادلنى الحديث، حوارات دارت بينى وبين كبار الكُتّاب عباس العقاد، طه حسين، المازنى، نجيب محفوظ، زكى نجيب محمود، أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وغيرهم مئات من الكُتّاب تحاورنا معاً، كيف تعرضون كل هذه الذكريات للبيع.

أى بنى ألا تذكر هذا الركن من المكتبة الذى خصصته لك، ولكتبك عندما كنت طفلاً صغيراً، ألا تذكر قصص الساحرة والبحيرة، وعصام والحصان، ألا تذكر قصة السلحفاة والأرنب، كيف كنت أشترى لك هذه القصص لأحبب لك القراءة منذ كنت صغيراً.

أى بنى ألا تذكر ذهابنا لمعرض الكتاب وشراء عشرات الكتب، وفرحتنا ونحن نرجع بهذا الكنز الثمين.
بنى إن هذه الكتب هى أنا، فهل تبيع أباك، انظر لهذا الكتاب وافتحه فى وسطه وردة حمراء هديتى الأولى لوالدتك وبداية قصة حبنا، انظر لهذا الكتاب، فى أوله إهداء لوالدتك أقول فيه " حبيبتى يا أغلى الناس أهديك أغلى ما أملك، أهديك الكتاب " انظر لأسفل الإهداء تجد رد والدتك على الإهداء " قبلته منك يا أغلى الناس ".

أى بنى هل تباع هذه الأشياء ؟ هل تلقى ذكريات أبيك على الأرصفة تتلقفها أيدى الناس ؟
أى بنى، لا تجعل أباك سلعة تباع، أكرمنى فى مكتبتى حتى ترتاح روحى. خصص لهذه المكتبة مكاناً مناسباً واجعلها قبلة لطلبة العلم يطالعون فيها ما يريدون.

بنى العلم ثروة وزكاتها تعليم الغير، فلا تكن مانعاً لهذه الزكاة، القراءة سبيل تقدمنا فاجعل مكتبتى نواة فى سبيل التقدم. خصص من ثروتى جزءاً ليكون راتباً لموظف يقوم على أمر المكتبة.
بنى هل أطمع فى برك لى بعد وفاتى ؟
اجعل هذه المكتبة سبباً فى دخولى الجنة.

هل تقف حاجزاً بين أبيك والجنة ؟
لقد أطعمتك من حلال، وربيتك على تقوى الله، فهل أجنى ثمار هذا وأنا فى برزخ بين الدنيا والآخرة ؟ لعلى أرجع لربى بما يكون سبب لدخولى الجنة.

بنى لا تمزق مكتبتى فتمزقنى وأسألك يوم القيامة أمام الواحد القهار، أين كتبى ؟
رحمنى الله برحمته الواسعة، إنه هو الغفور الرحيم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة