إذا كان الهدف من هذا البرنامج هو الخير فعليكم أن تدققوا فيما تقدمونه للجمهور
فى وسط أصوات البنادق.. وبين دماء الضحايا.. وصرخات الأبرياء فى ليل دامس تحمله الأحداث القاتمة.. وألسنة لا تذكر بين ثناياها إلا أخبار الحزن والهزيمة.. وبرامج لا تعرض إلا خديعة البشر وفساد الأنظمة وسيطرة الموت فى كل مكان.. نتعلق كالغريق بقشة ربما مررنا بها مر الكرام ونحن نشاهد التليفزيون أو تابعناها عبر اليوتيوب، فالفكرة تبدو براقة هادفة دافئة كدفء براد الشاى فى يوم بارد كالثلج، إنها فكرة برنامج «المسامح كريم»، وكالعادة هو برنامج غربى الصنع، كان يحتاج إلى معالجة عربية تمنحه النكهة الخاصة بشعوبنا العاطفية، ووقع اختيار الشركة المنتجة على المذيع الشهير جورج قرداحى الذى نال شهرته من برامج المسابقات وأشهرها «من سيربح المليون».
فكان قرداحى الطعم الذى جذب الضيوف لكى يقبلوا دعوة غامضة لبرنامج لا يعرفون منه إلا مقدمه وكل واحد من الضيوف كان يمنى نفسه بأن يكون البرنامج الذى دعا إليه برنامج مسابقات كعادة برامج قرداحى إلا أن الصدمة تحدث فى الاستديو، ورغم أننى لم أشاهد النسخة الأجنبية من البرنامج الذى بدأته قناة الـlbc بعنوان «افتح قلبك» ونسخته الأجنبية بعنوان «you got mail» الذى عرض عام 2012 من تقديم جورج قرداجى إلا أن جورج قرر تغيير مضمونه ليتناسب مع التغيير الذى أحدثته ثورات الربيع العربى، فى محاولة منه لرأب الصدع الذى أصاب الكثير من العلاقات الإنسانية.
والحقيقة أن جورج قرداجى بدا خلال البرنامج الذى يكمل هذا العام موسمه الرابع مصلحا اجتماعيا، محاولا فض النزاعات بين أفراد الأسرة وإعادة المياة لمجاريها فى حوالى 95 فى المائة من الحالات التى قدمها البرنامج، ويعتبر هذا إنجازا كبيرا فى ظل ما نراه من عنف وكراهية ودم فى كل أنحاء الوطن العربى، وكان لمصر بطبيعة الحال نصيب الأسد من هذه الحلقات، وربما تكون سوريا والمغرب منافستين قويتين.
ورغم رقى هدف البرنامج إلا هناك بعض الحالات التى استوقفتنى وجعلتنى أتساءل كيف استطاع فريق الإعداد إقناع صاحب الدعوة بأن يأتى أمام كل هذه الملايين ويفضح نفسه وهذه الحالات متعلقة بالخيانة الزوجية، خاصة عندما تكون الزوجة هى المدانة، فربما يكون الزوج رغم طلاقه منها أو انفصاله عنها قد سترها ولم يقل عنها شيئا، ويأتى برنامج جورج قرداحى ليساعدها على فضح نفسها وزوجها وأولادها علنا، ولا أستطيع إبعاد شبهة أن يكون صاحب الدعوة أو صاحبة الدعوة قد تم إغداق المال عليها لعمل حلقة مثيرة ومختلفة تغازل فضول العرب فى تفاصيل الفضائح!
أعتقد أن الهدف من برنامج المسامح كريم كما تعلمنا فى فنون الإعلام هو هدف راق بالضرورة، خاصة أن عنوانه يدل على ذلك.
كلمة أوجهها من هنا إلى القائمين على برنامج المسامح كريم لابد أن تكون هناك معايير تحكم اختيار الحالة التى تساعدونها فى تصفية الأجواء وحل النزاعات، ليس من بينها الإثارة أو خراب البيوت أو فضح المستور، فإذا كان الهدف من البرنامج هو الإثارة والضجة الإعلامية كغيرها من البرامج، فلا داعى أن تلبسوا ثوب المسامحة والطهر والشرف وإذا كان الهدف من هذا البرنامج هو خير، فعليكم أن تدققوا فيما تقدموه للجمهور الذى وثق فيكم وفى جهودكم التى تظهر فى فقرات البرنامج الذى يقع تحت مسمى الإنسانيات.
وأعتقد أن نجاح البرنامج يأتى من نبل الفكرة وصدقها، فأرجوكم لا تحولوا هذا الصدق والطهر إلى نجاح رخيص بلاقيم.