بالجغرافيا والتاريخ والعمران لا توجد دولة أقرب إلى مصر من السودان ولا توجد دولة أقرب للسودان من مصر، ومهما اختلفت الإدارات الحاكمة أو تحكمت الأهواء وأثيرت النعرات الاستفزازية من هنا أو من هناك، ستظل وحدة وادى النيل قائمة لا يغلبها غلاب، يمر الزمن وتزول الإدارات التى تغذى دواعى الانقسام والفرقة بينما أهل السودان يتوافدون إلى المدن المصرية ويعيشون فيها ويذهب أهل مصر إلى المدن السودانية للإقامة والعيش الطويل.
إذا لم يكن ممكنا فى الزمن الراهن تدشين دولة وادى النيل الكبرى التى حلم بها جمال عبدالناصر بعد مأساة الانفصال فى 1956، فليس أقل من تفعيل الاتفاقيات الطموحة بالتكامل على جميع المستويات، فإذا كانت المنتجات الزراعية السودانية متوافرة، لماذا تشترى القاهرة من غيرها؟ وإذا كانت السلع المصرية والأدوية والتكنولوجيا متوافرة بمصر لماذا تتجه الخرطوم لغيرها؟ وإذا كانت الأراضى الخصبة والمياه متوافرين فى السودان لماذا لا يتجه الفلاحون المصريون لزراعة المحاصيل الاستراتيجية فى مزارع نموذجية لسد احتياجات البلدين والدول العربية أيضا؟.
وإذا لم يكن ممكنا تجاوز التصرف الاستعمارى الخبيث من قبل بريطانيا التى ألحقت مثلث حلايب بالسودان بدعوى قربها من الخرطوم لإثارة الخلافات الحدودية بين البلدين الشقيقين فى بدايات القرن العشرين، فلا أقل من تفويت الفرصة على الاستعمار وأذنابه والإعلاء من أوجه التعاون المشتركة وهى كثيرة ومتعددة على أسباب الفرقة والتشاحن، والبحث عما يجمعنا لا عما يثير الأحقاد، ولتكن البداية الجديدة فى افتتاح معبر أرقين الحدودى ليكن محورا للتجارة المشتركة والتنسيق بين البلدين.
وإذا لم يكن ممكنا خوض المعركة على الإرهاب والإرهابيين فى البلدين بنفس الدرجة من القوة والشمولية والحسم، فعلى الأقل يمكن للبلدين الاتفاق على عدم السماح بوجود الإرهابيين على أراضيهم أو إسباغ الشرعية على جماعاتهم وفلولهم تحت أى ظرف، أو السماح بتهريبهم ومنحهم جوازات للمرور إلى دول أخرى معادية، بهدف المكايدة السياسية.
نعم نستطيع معا أن نرتقى بمستوى التعاون بين الشعبين والحكومتين لإنشاء منطقة تجارة حرة، وكذا دعم حرية الاستثمار والربط الكهربائى والتعاون للتنقيب عن الثروات الطبيعية وإنشاء المناطق السياحية العالمية بالخبرات المشتركة وكذا مجمعات الحرف اليدوية إلى آخر الموضوعات الاقتصادية التى تقرب الشعبين وتخدم الشعبين وتحقق مصالح الدولتين، وهذا أولى وأهم من البحث عن أسباب للتشاحن لإلهاء المواطنين هنا أو هناك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة