على مدار الأيام الماضية، كتبت محللا الخطاب السلفى وما به من إرهاب مادى ومعنوى لكل المخالفين، وأظهرت عبر مقال أمس كيف يتبارى المتأسلمون فى الزيف والتزييف، وكيف يتآمرون على الدولة بالليل ويدعون الوقوف بجانبها بالنهار، مستشهدا بالحديث المسرب لياسر برهامى المرجعية الفكرية لحزب النور، كاشفا الأسباب الحقيقية لإعلانه الظاهرى بالانتماء إلى 30 يونيو، بينما عقله وقلبه مع «تحالف الشرعية»، وأبرزت أيضا، عبر مقال أمس، حالة النفاق المستفحلة فى خطابه الذى أكد فيه أنه لم ينضم إلى جبهة الإخوان لسبب واحد هو أنهم لن يقدروا على الجيش، بينما لو كانوا يمتلكون العدة والعتاد والأعداد اللازمة للإجهاز عليه، فالموقف الطبيعى لحزب النور هو أن يكون ضمن التحالف الإرهابى، لكن للأسف يبدو الآن أن الدولة أصبحت تمجد المتآمرين وتبجل المتلونين، وتعلن الصادقين المخلصين، الذين يفنون حياتهم فى البحث والأسئلة بحثا عن أمل أو خلاص، وليست حملة إعادة البريق إلى بعض الوجوه المتأسلمة والتنكيل المستمر بالمثقفين والباحثين سوى حلقة جديدة فى مسلسل قتل مصر، وكله بالقانون.
أنت تقرأ هذه السطور، بينما يقبع إسلام بحيرى فى السجن، وبجواره ينام أحمد ناجى، وعلى مقاعد الانتظار تجلس فاطمة ناعوت، وفى الطريق إليهما كل من نوال السعدواى وسيد القمنى، وعلى ما يبدو أن مصر الآن جربت فكرة اعتقال المثقفين وسجنهم، رغما عن أنف الدستور، الذى يقدس حرية الفكر ويحرم السجن العقوبات السالبة للحرية فى قضايا الرأى، وحينما نجحت التجربة أرادت أن تعممها، فأصبح السجن مفتوحا على مصراعيه أمام كل مثقف، بينما الإرهابيون يحلقون فى سماء الفضائيات، ويوزعون إرهابهم اللفظى والمادى والمعنوى على كل من يخالفهم.
حسبة، فحبسة، فحكم، فاعتقال، هذه قواعد الحبس من أول فكرة، التى تتبعها مصر، وهذه أول دلائل الانزلاق إلى مستنقع الجمود، فربما تختلف من صاحب رأى، وربما لا تجد بعض الكلمات أو العبارات أو الأبحاث معبرة عنك، أو ربما تصدمك فكرة أو رأى أو تحليل، مثلما أعلنت صدمتى من دعاوى «يوسف زيدان» التى تخدم إسرائيل فى المقام الأول، لكن ليس بالحبس وحده تحيا الأوطان، وليس بالحبس- قطعا- تنمو الأفكار، فمصر بحاجة ماسة الآن إلى حرث الأرض الفكرية، وتقليب الأيديولوجيات رأسا على عقب حتى تكتشف مكمن المرض وبيت الداء، لكن للأسف يبدو أننا نريد كل شىء على حاله، ولا نريد أن نزعج أمراضنا ببعض العلاج، ليستفحل المرض أكثر حتى ينفجر الجسد، ويشيع السم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة