فى مسرحية مدرسة المشاغبين، سهير البابلى وقفت كمدرسة تسأل طلابها: «إيه هو المنطق؟»، رد الفعل لم يكن متوقعا ولا منطقيا، بهجت الأباصيرى ومرسى الزناتى سخرا منها ومن منطقها، ومن لحظتها صار الأمر عاديا فى مصر، فئة تحدثك عن المنطق وضرورة مراعاته فى تصرفات المسؤولين والوزراء والسياسين، بينما هم يردون على طريقة بهجت الأباصيرى ساخرين من المنطق وممن يدعونهم لمراعاة المنطق.
الأخير فى صف الوزراء والمسؤولين الذين تقمصوا دور بهجت الأباصيرى وسخروا من المنطق هو وزير التموين الدكتور خالد حنفى، اكتشف الناس أنه يقيم فى جناح فاخر بفندق خمس نجوم، الفكرة أغضبت شعبا يعانى من أزمة اقتصادية، وأوجعت فئات مجتمعية لم يمل الوزير وهو يخاطبها تلفزيونية وإعلانيا وعبر بيانات رسمية من دعوتهم إلى ترشيد سلوكهم الإستهلاكى ومراعاة الظرف الاستثنائى الذى تعيشه مصر، ثم تضاعف مستوى الغضب ومعدل الدهشة مع رد الوزير الذى جاء على طريقة «اخبطوا دماغكم فى الحيط»، قائلا: «أيوه قاعد فى جناح فاخر بفندق 5 نجوم وبدفع من جيبى ومالى الخاص ومحدش ليه دعوة».
رد الوزير قد يبدو تبرئة من أى اتهام له بفساد مالى، وذلك حقه، من حق أى مواطن أن يفعل بماله ما يشاء مادام لا يضر آخرين، ولكن الوزير ليس مواطنا عاديا، ووضع الحكومة التى ينتمى لها الوزير ليس عاديا، وطبيعة المرحلة فى الوطن الذى يشارك خالد حنفى فى إدارة جزء منه ليس عاديا، وعدم تطابق قول المسؤول مع أفعاله هو فى حد ذاته ليس أمرا عاديا.
خالد حنفى لم يدرك بعد كل هذه الفترة على كرسى الوزراة، أن هناك خطا فاصلا بين خالد حنفى المواطن العادى وخالد حنفى الوزير، خالد حنفى المواطن يفعل بماله ويتصرف فى حياته كما يحلو له، ولكن خالد حنفى الوزير عليه مسؤولية إدارك الإحداث السياسى ومقتضى الحال الذى يعيشه وطن خالد حنفى أول من يطالب أهله بالتقشف وترشيد الاستهلاك ودعم صندوق تحيا مصر بالتبرعات والفائض عن الحاجة.
الحكومة التى ينتمى لها وزير التموين تطالب الناس دوما بالتقشف وترشيد الاستهلاك، وتحذر الناس من الفشخرة والسلع الاستفزازية، خالد حنفى نفسه تكلم كثيرا عن خطورة السلع الاستفزازية والفشخرة، ولكنه نصح الناس وغفل عن أن ينصح نفسه.
البيان الرسمى الذى أصدره مكتب وزير التموين للرد على اتهامه بالإقامة فى فندق خمس نجوم، كان ضعيفا ومرتبكا بشكل يؤكد أن الرجل ومكتبه ورجاله فى الوزارة أقل كفاءة مما ينبغى، فلقد اعترفوا فى بيانهم الرسمى بأشياء تستوجب وضع الوزير أمام طاولة التحقيق والمسائلة حتى تطمئن قلوب الناس.
فى بيان وزارة التموين الرسمى اعتراف واضح بأن الوزير يقيم فى جناح فاخر فى فندق 5 نجوم، رغم امتلاك الوزارة والشركات القابضة التابعة لها استراحات فاخرة وقريبة من مقر الوزارة نفسه، وأكد البيان أن الوزير يدفع تكاليف الإقامة من ماله الخاص، وهذا اعتراف يطرح أسئلة لا يصح أن يتجنب الوزير إيضاحها للرأى العام، أولها من أين لوزير راتبه وفقا للحد الأقصى 38 ألف جنيه أن يتحمل تكاليف رفاهية الإقامة الدائمة فى فندق 5 نجوم تصل إلى ملايين، ومن أين لرجل كان قبل توليه الوزارة يعمل أستاذا جامعيا أن يملك كل هذه المدخرات التى ينفقها على الفنادق ونحن نعلم حال رواتب أساتذة الجامعة؟
لا أملك توجيه اتهام بالفساد المالى للدكتور خالد حنفى، فتلك مهمة جهات التحقيق ومجلس النواب الذى ينتظر الوزير بسبعة استجوابات ساخنة عن فشله فى مواجهة الأسعار والفساد فى القمح والفساد فى منظومة الكروت الذكية، ولكن أستطيع أقول وبضمير مرتاح أن قضية خالد حنفى هى قضية فساد منطق قبل أن تكون فسادا ماليا، قمة الكوميديا أن يكتشف الناس فجأة أن الحكومة التى تدعوهم للتقشف وترشيد الاستهلاك، غفلت عن أن تصنح نفسها ووزراءها بالمثل، لدرجة أن أحد وزرائها المسؤول عن ملف الدعم والأسعار والغلابة يدفع ملايين مقابل الإقامة فى جناح فاخر بأحد فنادق القاهرة الكبرى، وإن كان التبرير الجاهز هو أن تلك أموال الوزير الخاصة، فالرد الجاهز هو ولماذا لا يتبرع الوزير بماله الفائض الذى يستخدمه فى إقامة استفزازية بفندق إلى صندوق تحيا مصر؟ ألم يكن صندق تحيا مصر أولى بتلك الأموال المهدرة حتى ولو كانت شخصية، هل وزير التموين أقل وطنية من الحاجة زينب التى تبرعت بآخر ما تملك وهو حلقها الذهبى لتكون قدوة ونموذجا للجميع؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة