ناجح إبراهيم

القوى لا يكذب!

الأربعاء، 24 أغسطس 2016 11:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أعظم الآيات القرآنية التى تؤثر فى وجدانى كثيرا قوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، لأنها آية جامعة لصلاح الدنيا والآخرة، فلا صلاح لقوم إلا بالصدق فى الأقوال والعدل فى الأحكام.
 
تذكرت هذه الآية حينما تذكرت قصة أستاذ جامعى كان يدرس لنا فى مقتبل دراستنا الجامعية، ففى أول عام جامعى لى فى الطب درسنا عاما فى كلية العلوم وكان يدرس لنا مادة الكهربية أستاذ جامعى غريب الأطوار لم نسترح لطريقته ولا هيئته، فقد زعم فى إحدى المحاضرات أنه ألف مسائل مذكرة الكهربية كلها وأنه ظل ساهرا ليالى طويلة وهو يؤلف تلك المسائل، ويمزق أوراقا ليكتب أخرى حتى توصل لهذه التوليفة الدقيقة من المسائل، وكنا ونحن طلبة نذهب إلى مكتبة الكلية كثيرا ونتأمل الكتب الشبيهة بما ندرسه فوقعت أنا وصديقى د. مصطفى السنارى على كتاب ألفه بريطانى منذ الخمسينيات يحتوى على نفس المسائل التى زعم أستاذنا أنه تعب فى تأليفها وبنفس الأرقام بل والترتيب أيضا، عندما وجدنا ذلك «ضربنا كفا على كف» كما يقول المصريون عجبا من كذب هذا الأستاذ، وبحثا عن مبرر واحد لكذبه دون جدوى.
 
كان أستاذ الجامعة مقدسا لدينا، وكنا نعتقد أنه أسطورة من أساطير العلم والأمانة حتى وقعت هذه الواقعة الأليمة، أصر مصطفى أن يقول ذلك للأستاذ فى المحاضرة ولكنى أثنيته عن ذلك حتى لا يضطهده الأستاذ، وفى إحدى المرات ذكر هذا الأستاذ مسألة صعبة وتحدى دفعتنا أن تحلها ورصد مكافأة مالية لمن يفعل ذلك، وإذا بصديقى مصطفى يحل المسألة بطريقة سلسة فحصل على هذه الجائزة المتواضعة ماليا والمهمة معنويا، وبعدها بعدة محاضرات حاول نفس الأستاذ أن يحل مسألة من مسائل المذكرة على السبورة فلم يستطع وظل يحاول عدة مرات دون جدوى، فزعم أنه لديه طريقة صعبة على إفهامنا لحلها ولكنه لا يريد المشقة علينا، فما كان من أحد الطلبة إلا أن قام مباشرة وحل هذه المسألة بطريقة مبسطة جدا، وفى هذه المحاضرة زعم هذا الأستاذ أن الطالب الذى حل المسألة وحصل على الجائزة المالية لم يحلها بنفسه ولكن خاله الأستاذ بكلية الهندسة هو الذى حلها له، كان ذلك كذبا صريحا من الأستاذ، كان مصطفى يجلس إلى جوارى وقتها حيث لم نفترق أبدا طوال سنوات الدراسة، ظل يلح أن يرد على الأستاذ مباشرةً ويقول له إنه من أسرة بسيطة وإن والده متوفى، وإن معلومة خاله الأستاذ فى الهندسة لا أصل لها، وأنا أمنعه من ذلك حتى لا تحدث له مشكلة كبرى.
 
مرت على هذه الواقعة قرابة أربعين عاما كاملة، وقد يكون هذا الأستاذ توفى، ورغم ذلك أنا أفكر باستمرار فى هذه الواقعة ولا أدرى لماذا؟! وأسال دوما نفسى كلما تذكرت هذه الواقعة: لماذا الكذب عامة؟ ولماذا يكذب من هو فى محل القدوة؟ ولماذا يفخر الإنسان بشىء لا يملكه من العلم أو العمل؟ وينسب إلى نفسه فضلاً ليس له؟
 
وجدت أن الكذب يمثل «عقدة نقص» لدى البعض، ووجدت أن العالم الحقيقى المتمكن من علمه وأدواته لا يكذب، ووجدت أن أهل العلم الحقيقيين لا يحتاجون للكذب لأنه يشينهم ولأن العلم يزينهم بتاج الفخر فلا يحتاجون لغيره. ووجدت أن الكذب يشيع فى الأوساط والمجتمعات الاستبدادية، حيث يهرب الإنسان من الاستبداد والظلم بالكذب، ووجدت أن من لا عمل له ولا بذل ولا عطاء ولا هدف ولا غاية له هو الذى يكذب ليغطى على فشله وخيبته كما يقولون، أما الذى يعمل ويبذل ويعطى فلا يحتاج للكذب، لأن عمله يتحدث بالصدق بديلاً عن لسانه، ولأنه لا يحتاج للحديث أصلاً، فآثار عمله الطيب محفورة فى القلوب ومشاهدة لكل العيون.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة