ننجب كل سنة 2.1 مليون نسمة، يعنى دولة فى حجم قطر، ونصف سكان دول مثل الكويت ولبنان ومالطا، وربع إسرائيل، وتخفق قلوبنا مع دقات الساعة السكانية فى مدينة نصر، التى تحذر من خطر رهيب، أشد وبالًا من الغزو الخارجى، ففى سنة 2030 سنصبح 120 مليونًا فى أقل تقدير، وقد نصل إلى 140 مليونًا إذا ظلت حنفية الإنجاب مفتوحة بنفس المعدلات، وعندها لن نحد لبنًا مسكوبًا نبكى عليه.
المواليد الجدد يحتاجون رعاية صحية، وتطعيمات ضد الأمراض وشلل الأطفال والثلاثى، وإلا عاشوا مرضى ومشلولين، وأماكن فى المدارس التى تعانى أساسًا من التكدس الرهيب، وياحبذا لو حصلوا على وجبة تقيهم الأنيميا، وإلا تسربوا من التعليم واستفحلت جرائم أطفال الشوارع، وبعد عدة سنوات يحتاجون فرص عمل تقيهم التشرد، وتفتح أمامهم أبواب الأمل، وإلا أصبحوا احتياطى استراتيجى للتطرف الدينى والأخلاقى.
الأفواه المفتوحة لن تجد شيئًا تأكله ولا ماء تشربه، إلا إذا ارتفعت معدلات النمو إلى %8 على الأقل، وفى ظل الركود العالمى والأزمات الداخلية، لن يتحقق أكثر من %4 فى أحسن الأحوال، ولن يستوعب سوق العمل أكثر من نصف الزيادة السكانية، والنصف الآخر إلى جراج البطالة بجوار إخوانهم العاطلين، ومهما حفرنا الصخر وشيدنا مشروعات، فلن نشعر بالتحسن ولا ارتفاع المستويات المعيشية.
ليس معنى هذا أن الصورة مظلمة إلى حد السواد، ففى نهاية النفق المظلم تلوح أضواء، أهمها أن تكون للدولة استراتيحية واضحة وصارمة، لمواجهة الخطر قبل وقوعه، فقد كان لدينا وزارة للسكان تم إلغاؤها، وإلحاقها بوزارة الصحة بجوار ملفاتها التى تنوء عن حملها الجبال، وعودة هذه الوزارة ضرورة ملحة، بشرط أن يتولى حقيبتها شخصية مرموقة، له كاريزما إعلامية، ليبتكر حملات توعية مؤثرة «مش على طريقة حسنين ومحمدين»، بجانب قدرته على تخفيز الوزارات الأخرى لتؤمن بالقضية.
الأمل فيما تقوم به الدولة من مشروعات لاقتحام الصحراء، وإقامة مجتمعات عصرية حديثة، تخلخل الزحام الرهيب فى المدن القديمة، تصوروا أننا نعيش على %7 فقط من مساحة البلاد، وفعلنا مثل مسرحية «شاهد ما شفش حاجة»، عندما قال لحاجب المحكمة: «أنت ومراتك وولادك وأمك وأختك المطلقة، عايشين فى أوضة واحدة وسايبين باقى الشقة»، فاكتشف أن الشقة غرفة واحدة، ضاقت بنا وضقنا بها، ولابد من البحث عن متنفس جديد.