حذّر الدكتور فوزى كراجة، كبير خبراء المياه فى المكتب الإقليمى لمنظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من مخاطر ندرة المياه فى المنطقة، والتى بدأت تظهر بوضوح فى العديد من الدول، ومن شأنها أن تضع القطاع الزراعى أمام تحديات جمة تؤثر مباشرة فى الأمن الغذائى والاقتصاد الريفى، مشددا علي أن هناك توقعات فى أسوأ الاحوال بأن يقل تدفق نهر النيل بعجز يقارب 8 مليارات متر مكعب، نتيجة للتغيرات المناخية وإنشاء سد النهضة.
وأشار خبير الفاو، إلى أن الحكومة المصرية جادة فى التغلب على تلك المشكلة وتعويض العجز، إذا ما حصل، من خلال بعض الحلول غير التقليدية، ولمعلوماتى يتم حاليا التنسيق بين الحكومة المصرية وحكومتي السودان وجنوب السودان لتحسين مجارى المياه والاستفادة من المياه المهدرة والفاقدة، ولتعظيم الاستفادة من هذه المياه.
وأضاف كراجة فى كلمته أمام المؤتمر الدولى الثانى عشر الجمعية الدولية للأراضى القاحلة بمدينة الاسكندرية أنه لابد من أن تشمل المفاوضات بين مصر وإثيوبيا الاتفاق حول مدة تخزين المياه خلف سد النهضة، حتى لا تتسبب تعبئة السد فى السنوات الأولى فى أية مخاطر على حقوق مصر المادية.
كما شدد فى بيان رسمى للفاو اليوم على ترشيد استهلاك المياه، وقال: إن مصر مرت بخطوات جيدة عبر السنوات الماضية لتحسين كفاءة استخدام المياه، ولكن ما زال هناك مجال لتعظيم الاستفادة ورفع كفاءة الاستخدام بشكل أفضل، حيث انه باستخدام الإدارة الرشيدة للمياه على مستوى الحقل يمكن توفير 30% من مياه الري، مشيرا إلى أن نصيب الفرد في مصر سنويا من المياه أقل من 10% مقارنة بالمعدل العالمي، حيث يصل نصيب الفرد إلى 600 متر مكعب سنويًا.
من جهة أخرى أكد أن الدلتا لن تختفى من مصر بسبب التغييرات المناخية كما أشيع، وقال: إنها توقعات علمية غير دقيقة اعتمدت على افتراضات غير دقيقة، موضحا أن أكثر المناطق المتضررة هي التي بالقرب من مدينة بورسعيد ويمكن مواجهة المشكلة من خلال إنشاء مصارف للصرف الزراعي لخفض كميات المياه المالحة من الأراضي الزراعية، وكذلك العمل على تقليل غزو مياه البحر إلى الدلتا بتطوير جدار مائي في المناطق الساحلية لوقف التقدم الملحي نتيجة الاستخدام المكثف للمياه الجوفية وكذلك ارتفاع مستوى البحر نتيجة التغييرات المناخية.
وأشار خبير الفاو الى العديد من المبادرات الجيدة التي ساهمت الفاو في تنفيذها مع الجهات الحكومية وعدد من الشركاء، وذلك من خلال استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة في المشاريع الزراعية واستخدام اساليب الري التي تحقق أعلى مستوى من الكفاءة في كميات المياه المستخدمة من دون التأثير في الانتاجية الزراعية، وكذلك برنامج رصد للتغيرات المناخية ودراسة تقييمية لتأثير التغييرات المناخية على إنتاج عدد من المحاصيل الاستراتيجية واقتراح حلول لها.
وأشار إلى أن الفاو تشجع الدول على اعتماد خيارات استراتيجية لجهة المحاصيل التي تقوم بزراعتها، والتي لا تصلح مع زيادة درجة الحرارة المتوقعة، وتطوير سلسلة الإنتاج لضمان الأمن الغذائي، مؤكدا أن لا مفر من التكامل الزراعي العربي، كواحد من الحلول الجدية للاستفادة القصوى من التنوع الجيولوجي لجهة انواع التربة الزراعية وخصوبتها، وبالتالي زراعة كل نوع من المحاصيل في البيئة الأنسب بل الأمثل لنموه.
كما دعا إلى التصدى لاكتساح مياه البحر للأراضي الزراعية، والملوحة التي تؤثر في التربة، من خلال اختيار محاصيل زراعية قادرة على تحمل هذه الملوحة، مركزا على أهمية المراكز البحثية في ايجاد حلول علمية مستدامة، والعمل على وقف الزحف الملحي نتيجة الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية والتغييرات المناخية التي يتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع مستوى مياه البحر في المنطقة.
وقال كراجة إن المبادرة الإقليمية حول ندرة المياه، التي ترعاها الفاو بالتعاون مع جامعة الدولة العربية ستضع إطاراً محدداً للعمل التشاركي على المستوى الاقليمي، تتحمل فيه كل دولة مسؤوليتها الفردية عن حماية مواردها المائية والمساهمة في التصدي المشترك لندرة المياه التي تؤثر على المنطقة بأسرها.
وأضاف أن إقليم الشرق الأدنى وشمال افريقيا يعتبر من المناطق الأكثر تأثرا بندرة المياه حيث انخفضت حصة الفرد من المياه بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وذلك بنسبة 60% خلال العقود الاربعة المنصرمة، كما أن المؤشرات تدل على ان حصة الفرد من المياه المتوافرة ستنخفض بنسبة 50% عما هي عليه الآن بحلول عام 2050.
ولفت إلى أن التغير المناخي زاد الامور سوءا، فبدأنا نشهد ظروفا مناخية متطرفة، تتثمل في زيادة وتيرة الفيضانات والجفاف الحاد في العديد من دول إقليم الشرق الاوسط وشمال افريقيا، علما انهما وجهان لظاهرة واحدة، وهي نتائج مباشرة للتغير المناخي.
وقال إن الفاو سعت إلى مساعدة الدول على مواجهة التحديات الناجمة عن ندرة المياه، حيث اطلقت المبادرة الاقليمية حول ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ عام 2013، بهدف دعم جهود الدول الاعضاء في تحديد اولوياتها في مجال ادارة مياه الري من خلال مقاربة مبتكرة تعطي الاولوية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية من حيث التكلفة بين الخيارات المتاحة للإمدادات الغذائية.
وحول التعاون بين مصر ومنظمة (الفاو) قال أنه خلال الاجتماع الأخير بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومدير عام منظمة الفاو جوزيه غرازيانو دا سيلفا، تم الاتفاق على تكليف مجموعة من خبراء الفاو تقديم تقارير فنية حول مشروع المليون ونصف مليون فدان، وتم تشكيل لجنة مكونة من خبراء في التربة والمياه والطاقة والنبات والثروة السمكية والاستثمار الزراعي، وقد زارت اللجنة مصر وعقدت مجموعة من اللقاءات، قبل أن ترفع تقريرها الرسمي عن طريق السفير المصري في الفاو منذ نحو شهر تقريبا.
وأكد أن هذا ليس التعاون الأول مع مصر بل أن منظمة الفاو تعاونت مسبقا مع مصر، في تقديم دراسة فنية في بناء السد العالي والمخطط التوجيهي لمشروع أراضي النوبارية، ودراسات حول تأثير التغيرات المناخية على المنطقة الساحلية بمصر، ونفذا مشاريع حول استخدامات وسائل الطاقة المتجددة في القطاع الزراعي، ومشروع لمعالجة النقص الغذائي في عدد من المحافظات.
وقال: "إن الوطن العربى لا يستطيع أن يحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بسبب ندرة المياه، واصفا الوضع المائي بالوضع الحساس حاليا، حيث يستورد الوطن العربي حوالي 235 مليون طن من المواد الغذائية سنويا بما يتطلب 235 مليار متر مكعب من المياه على الأقل، وهى كمية غير متوافرة حاليا بسبب محدودية مصادر المياه بالمنطقة، كما أن المنطقة تعانى أيضا من أعلى معدلات للزيادة السكانية في العالم، حيث يصل عدد السكان في المنطقة العربية إلى 400 مليون وبحلول عام 2050 سوف يصل إلى 600 مليون، ما يسبب أزمة في الأمن الغذائي في المستقبل القريب إذا ما تم أخذ تدابير مناسبة وعقد شراكات إقليمية وعالمية.
وأضاف: "أن العالم العربي يحتاج إلى مضاعفة إنتاج كمية الغذاء إلى 3 أضعاف الكمية الحالية، وهو ما يصعب تحقيقه بسبب أن 65% من كميات المياه التي تستخدمها المنطقة العربية حاليا هي من خارج المنطقة، ويصعب زيادتها، وأن الموارد المائية المتجددة في المنطقة محدودة، ومعظم المصادر المائية الجوفية يتم استنزافها وهي عرضة للتملح.
وحول تحديات ندرة المياه في الوطن العربي أشار إلى أن العالم العربي يعانى من عدة تحديات في هذا الأمر، يأتي في مقدمتها ندرة المياه من المصادر التقليدية مثل هطول الأمطار والمياه الجوفية، حيث لا يتعدى معدل هطول الأمطار في مصر مثلا 70 "مليمتر" سنويا و90 "مليمتر" بالسعودية سنويا، وأشار إلى أن التحدي الآخر هو صغر مساحة الحيازات الزراعية الفردية التي تتراوح ما بين 1.5 إلى 2 فدان، ما يسبب ارتباكا في إدارة السياسة الزراعية، ويعقد عملية ادارة المياه.
وأضاف قائلا: "إن ارتفاع القدرة الشرائية وارتفاع مستوى المعيشة بالوطن العربي، أصبح يمثل تحديا أيضا أمام كميات المواد الغذائية المتاحة، ونسبة الفاقد منها، والذي يعتبر هدرا للمصادر، بالإضافة إلى ضعف التعاون بين المؤسسات المعنية، وعدم تقبل مصادر المياه غير التقليدية مثل تقبل المواد الغذائية التي تمت زراعتها باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة والاعتماد على المصادر التقليدية مثل المياه الجوفية".
وأوضح أن العالم العربى بدأ بالفعل يستنزف مخزون المياه الجوفية، حيث انخفض منسوب المياه الجوفية في معظم دول المنطقة، فعلى سبيل المثال انخفض في الأردن إلى 2 متر سنويا، وفي اليمن إلى 6 أمتار سنويا في حوض صنعاء الذي يغذي حوالي ثلاثة ملايين نسمة.
وشدد على ضرورة تطبيق الإدارة الرشيدة للمياه، من خلال إدارة العرض والطلب، مشيرا إلى أن الوطن العربي يهتم حاليا بإدارة العرض فقط، كما شدد على ضرورة اتباع الإرشاد الزراعي في استهلاك المياه في الزراعة، الذى من شأنه أن يزيد إنتاجية الفدان بنسبة قد تصل إلى 30% ، وعلى أهمية الإقلال من المهدر من المواد الغذائية، حيث تتراوح نسبة المهدر من الإنتاج الزراعي من 15 إلى 30%، وذلك بسبب عدم كفاءة الحصاد وكذلك أساليب النقل والتخزين غير المناسبة.
وحول التحديات العالمية لندرة المياه قال: "إن العالم يحتاج إلى زيادة كمية الغذاء التي تتم إنتاجها حاليا بنسبة 60% بسبب الزيادة السكانية المتوقعة بحلول عام 2050، حيث سيزيد عدد سكان العالم بإجمالي قد يصل إلى 9 مليارات نسمة بحلول 2050، مع زيادة حجم الطلب على الغذاء، ما يتطلب توفير مياه إضافية للزراعة بكميات تصل إلى 300 ألف مليار متر مكعب، تضاف إلى الكميات المستخدمة حاليا والتي تبلغ 2600 ألف مليار متر مكعب. إن هذه الاحتياجات المستقبلية موجودة شرط ادارتها بطريقة مستدامة وحوكمتها بشكل جيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة