فى كل دول العالم هناك ما يشبه الحصة المخصصة لأفلام السيرة الذاتية، ولا أعتقد أن يعترض أحد على أن أهم الأفلام وأعظمها وأكثرها رسوخًا فى حياة الناس هى تلك الأفلام التى تجسد سيرة رجل أو فريق أو مهمة ما، والأمثلة على هذا أكثر من أن تعد أو أن تحصى، لكن للأسف يختلف الأمر تمامًا فى مصر، ولو فتشت فى قائمة أفلام العصر الحاضر فمن النادر أن تجد فيلمًا حقيقيًا مخصصًا لعرض سيرة أحد أعمدة مصر السياسية أو الفنية أو الأدبية، بل من النادر أن ترى إحدى هذه الشخصيات فى دور حتى ولو هامشى فى أى فيلم، بل حتى من النادر أن تجد شخصية الكاتب أو الفنان أو الرياضى ضمن النسيج الدرامى للأفلام السينمائية، وهنا يجب لنا أن نسأل: هل يضطهد الكتاب أنفسهم، أم أننا مازلنا عاجزين عن صنع فيلم سينمائى جذاب يتناول قصة كفاح حقيقية أو مسيرة حياتية مجدية، تاركين قيمنا فى مهب الريح؟
فى مقالى «الهروب من سينما النصف الأسفل» المنشور فى الشهر الماضى، أكدت أن القيمة تغيب تمامًا عن إنتاجنا السينمائى، ففى الوقت الذى تصنع فيه السينما العالمية عشرات الأفلام الجذابة عن الآثار واللوحات الفنية والسير الأدبية لكبار المشاهير والناجحين، مخاطبة الروح والقلب والخيال، لا نهتم نحن سوى بالسيرة الذاتية لصبرى نخنوخ، ناهيك عن النفى القصرى لجميع قطاعات مصر وأقاليمها عن شاشة السينما، كما لو كانت الكاميرات ستعطب، والنجوم «سيحمضون» إن صوروا قصة فى كفر الشيخ أو بنى سويف أو المنيا، وهو ما تذكرته أمس حينما كنت أكتب عن البطل الأولمبى محمد إيهاب، ساردًا بعضًا من سيرته حياته، فازدادت الأوجاع.
لن أقول لك لماذا لم ننتج حتى الآن فيلمًا روائيًا عن قصة حياة نجيب محفوظ أو أحمد زويل، لكننى سأقول لك: لماذا لا ننتج فيلمًا عن بطل أولمبى عالمى مصرى مثل محمد إيهاب، أو كرم جابر، أو بالأجدى: لماذا لا تجسد السينما سيرة حياة البطل العالمى خضر التونى الذى صنفه الاتحاد الدولى لرفع الأثقال ضمن أعظم 50 رياضيًا فى تاريخ اللعبة، فلماذا نستمر فى مسلسل إهدار القيم، وتقزيم الأبطال، بينما لا نكف عن التباكى على المجد الضائع؟