فرنسا بلد الجن والملائكة، كما كان يحب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، أن يطلق عليها.. تلك البلاد التى تسحرك برائحتها قبل أناقتها.. يستهويك ليلها قبل نهارها.. بلد الحرية كما تعرف منذ أن قامت الثورة الفرنسية فى عام 1789، والتى استمرت لمدة عشر سنوات من الكفاح والنضال حتى استقرت أمورها واستطاعت أن تكون أيقونة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأصدرت أول وثيقة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية فى الغرب الذى ألحقته الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية فى 26 أغسطس 1789 بأول دستور جمهورى لفرنسا، وكان هدفه التعريف بالحقوق الفردية والجماعية ليس للفرنسيين فقط، بل لمختلف شعوب العالم.
وإذا كان الدستور الفرنسى الذى صيغ فى عام 1905 وقام بتعريف الجمهورية الفرنسية بأنها دولة علمانية، لكنها تحترم كل الأديان.. ورغم كل الأفكار البراقة والشفافة، التى روج لها فلاسفة عصر التنوير فى فرنسا أمثال جان جاك روسو فى (العقد الاجتماعى) وفولتير وديدرو ومونتسيكو صاحب (روح القوانين).
وإذا علمنا أن المادة الرابعة من الإعلان الفرنسى لحقوق الإنسان معرفة الحرية (بأنها قدرة الفرد على القيام بكل ما لا يلحق الضرر بالآخرين).. ولا ننسى المادة العاشرة من نفس الإعلان المعجزة (أنه لايجوز التعرض لأى إنسان بسبب آرائه حتى ولو كانت دينية مادام التعبير عنها لايعكر صفو الأمن العام المبنى على القانون)، كم تستهوينى تنسيق الكلمات وإطلاق الشعارات والواقع دائما أقوى من مجرد مواد دستورية أو إعلانات لحقوق الإنسان.
هذه هى فرنسا النموذج، الذى نجده على الورق لكننا نراها فى عام 2004 تصدر قرارًا بمنع الحجاب فى المدارس والجامعات والمصالح الحكومية، وفى عام 2010 تم عرض مشروع لمنع ارتداء النقاب فى الأماكن العامة على مجلس الشيوخ، منبر الديمقراطية والحرية الفرنسية، وتم تنفيذه فى أبريل 2011. وأخيرا ولا أعتقد أنها آخر فقد بدأت حملة بقيادة فرنسا لخنق حرية المرأة المسلمة، التى ترتدى الحجاب من ارتداء (البروكينى) وهو لباس البحر الشرعى، الذى يعطيها فرصة للاستمتاع بممارسة السباحة فى البحر أو حمامات السباحة، فتذكر مصممة الأزياء الأسترالية (عاهدة الزناتى) وهى من أصل لبنانى أنه منذ أكثر من عشر سنوات جاءتها فكرة لتصميم زى يتيح للنساء المحافظات الاندماج فى المجتمع والتمتع بشكل عام بالسباحة وافتتحت أول متجر لها فى مدينه سيدنى فى استراليا عام 2005 وباعت أكثر من 700 ألف قطعة فى داخل وخارج أستراليا.
وتعتبر كلمة بوركينى كلمة مكونة من شقين (بور) تعنى نقاب أو غطاء الوجه.. وكينى اختصار لكلمة لباس البحر (البكينى).. ولم تعرف عاهدة الزناتى أنها ستكون سببًا فى أزمة على الشواطئ الفرنسية وامتدت لعدد من دول العالم الأخرى إلا أن مدن نيس ومارسيليا وكان والريفيرا قد اتخذوا قرارًا صارمًا لا رجعة فيه بمنع ارتداء البوركينى. والغريب حقا أن يقوم رئيس الوزراء الفرنسى (مانويل فالس) بتأييد القرار، الذى رآه وزير داخلية إيطاليا غير مناسب، بل وصفه بالقرار الخطير، ورفضت المحكمة الإدارية الدعوى، التى رفعتها منظمات حقوقية فى فرنسا ضد هذا القرار.. وكم أعجبنى ما تفتق ذهن الملياردير الجزائرى (رشيد نكاز) الذى قال (عندما أرى فرنسا لا تحترم الحريات الأساسية فإننى استخدم دفتر شيكاتى)، ورغم أنه علمانى الهوى والفكر وليس من مؤيدى ارتداء النقاب والبوركينى إلا أنه يصف نفسه مثل (فولتير) نصيرا للحرية.. ومن أجل ذلك دفع غرامات لسيدات ارتدين النقاب فى الأماكن العامة فى فرنسا بعد قرار منع النقاب عام 2011، بما يقدر بـ 245 ألف يورو عن 1165 سيدة فى فرنسا و268 امرأة فى بلجيكا وسيدتين فى هولندا وأخرى فى سويسرا.. وأعلن أنه سيدفع كل الغرامات لكل السيدات اللائى يرتدين البوركينى. إذا كانت فرنسا ستستمر فى فرض غرامات على من ترتدى البوركينى مخالفة بذلك كل نصوص الحرية، وكل شعارات الخصوصية فأقول لها سيكون هناك آلاف مثل رشيد نكاز على أهبة الاستعداد لمواجهة استبداد فرنسا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة