بعد أيام قليلة تمر الذكرى العاشرة لرحيل أنجب أدباء مصر «نجيب محفوظ»، ففى مثل هذا الشهر من عام 2006، كان العالم كله مشغولاً بمتابعة حالة «محفوظ» الصحية، الأخبار تتوالى يومياً عن تطور مرضه، والإشاعات تتوالى أيضاً عن موته وسط نفى دائم من المقربين إليه، وحينما فرغ الأجل وانتهى العمر كان خبر وفاة نجيب محفوظ عنواناً رئيسياً فى جميع صحف العالم التى أفردت الصفحات لتناول سيرة هذا الكاتب العالمى، وعرض رواياته العابرة للحدود، والآن تمر ذكرى وفاة نجيب محفوظ العاشرة، فهل أدينا واجبنا تجاه هذه القيمة العالمية المصرية بحق، بل هل استفدنا من محفوظ تمام الاستفادة مثلما تستفيد دول العالم من نابغيها فى تدعيم قوتها الناعمة.
أنت تعرف بالطبع أن الإجابة هى «لا».. نعم «لا» وبـ«الفم المليان»، «لا» جريحة حارجة، «لا» مؤلمة مخزية، وفى الحقيقة فإن تقصير مصر «حكومة وشعباً» فى الاحتفال بنجيب محفوظ أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأن هذا التقصير يتعدى فكرة التقصير فى حد ذاتها، ويمتد ليتحول إلى جريمة «إهدار» كاملة الأركان، إهدار «مال عام» وإهدار «وطن عام» وإهدار «قوة متاحة» وإهدار لأجيال مقبلة، فنجيب محفوظ بالنسبة لى ليس هذا الكاتب العالمى الذى حصل على جائزة نوبل فحسب، وإنما المصرى الوحيد الذى حصل على نوبل بدون أن ينازعنا فيه منازع، فلا يوجد شبهات سياسية مباشرة مثلما الحال فى «نوبل السادات»، ولا ينازعنا فيه دول أخرى مثلما تنازعنا أمريكا فى «أحمد زويل»، كما أنه بقى فى مصر، ونال نوبل عن إنتاجه الذاتى، ولم يحصل عليها من الخارج عبر عمله فى مؤسسة خارجية كحال محمد البرادعى، بما يعنى أن محفوظ «صناعة مصرية» خالصة، لكنه وبكل أسف ينال كل ما تناله «الصناعة المصرية» من إهمال وتبديد واحتقار.
هكذا تتبدد قيمة الأوطان، وهكذا نصل إلى أقصى مراحل الجهل، وللأسف فإن مصر وصلت إلى هذا الحال المتردى فى كل شىء حينما أهملت تثقيف أبنائها وتنميتهم عبر الاحتفال بالقامات الكبيرة، وتركها كجثة ملقاة على قارعة الطريق، إذ تتجلى أزمتنا الحقيقية فى أن الثقافة باتت ترفاً ذاتياً، يقوم بها أى فرد بمجهود ذاتى، لا يجد يداً مرشدة، ولا عيناً مبصرة، ولا روحاً مشجعة، بل على العكس تماماً يجد كل ما يحبط ويثبط الهمة ويقتل العزيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة