اقترن اسم البطريرك يؤانس التاسع عشر، بابا وبطريرك الكرازة المرقسية رقم 113 «من 1928 إلى 1942»، باسم الملك فؤاد، والترحيب بإسقاط دستور 1923، والعداء لحزب الوفد، والموافقة على الشروط العشرة لبناء الكنائس للعزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية 1934.. أثيرت حوله معارك عديدة، لإفراطه فى تقديم تنازلات للملك فؤاد، حتى أن البعض كتب أن فؤاد فرضه على الكرسى البابوى، باتفاق مع الإنجليز، وكان أول أسقف مطران يصبح بابا، الأمر الذى اعتبره البعض مخالفًا لمجمع نيقية.. بعد نياحة البابا كيرلس الخامس صار الأنبا يؤانس قائم مقام بطريرك، وبعد أن أصدر الملك فؤاد، ملك مصر، قرارًا بتعيين الأنبا يؤانس، مطران البحيرة والمنوفية، وكيل الكرازة المرقسية القبطية الأرثوذكسية، تم تجليس البابا يؤانس التاسع عشر فى 7 ديسمبر سنة 1928، طبقًا للانتخابات التى أجريت فى ذلك الوقت. أما عن الملك فؤاد الأول، صديق البطريرك، وكان يكنّ عداء كبيرًا للوفد ولدستور 1923، وكان الأنبا يؤانس منذ أن كان وكيلًا للبطريركية فى حبرية البابا كيرلس الخامس هو الآخر يكنّ عداء للوفد وللمجلس الملى وللعلمانيين، منذ أن أوغر بطرس باشا غالى الكبير صدر الملك والإنجليز على البابا الوطنى كيرلس الخامس، فنفاه هو والوكيل يؤانس إلى الدير، وعلى عكس البابا كيرلس الخامس المفعم بالوطنية والعداء للإنجليز كان الأنبا يؤانس مواليًا للملك، وكان الباباوات الوطنيون يستعينون دائمًا بالوفد، فى حين استعان البابا يؤانس بحكومات الأقليات، الأمر الذى عبر عنه المؤرخون بالقول «كنيسة قوية مستقلة يعنى الوفد يحكم».
فى 1930 جاء إلى سدة الحكم الديكتاتور إسماعيل صدقى باشا، بعد سنتين من تأسيس حركة الإخوان المسلمين «1928»، وألغى الطاغية دستور 1923، وتحالف إسماعيل مع الإخوان، إلى حد أن شبابهم هتفوا له «واذكر فى الكتاب إسماعيل»! ومنذ 1930 قاد الإخوان مظاهرات ضد الوفد والأقباط حتى الاعتداء على سيارة مكرم عبيد، وعلى أربع كنائس فى القليوبية والزقازيق والسويس والبحيرة، واتهموا الكنيسة بالتبشير، وأنها تخفى بنات فى تلك الكنائس. فى ظل هذا المناخ انتهز محور «السراى - الإنجليز» الفرصة لتصفية الحسابات مع الوفد والأقباط، لأن قادة الوفد حينذاك كان منهم ويصا واصف، محطم السلاسل، وسينوت حنا الذى احتضن النحاس باشا فى المنصورة، وتلقى طلقة كانت موجهة إليه، ومكرم عبيد، الخطيب المفوه، وكانت قوة الوفد الشعبية قد استطاعت أن تكتسح الإخوان فى الشوارع، والضمير الوطنى، وصارت وزارة إسماعيل صدقى تترنح، وثورة الوفد لإسقاط دستور صدقى تتقدم، هنا برزت فكرة التقييد على بناء الكنائس، وصدر الاقتراح أول ما صدر فى محاضرة لحسن البنا فى المقر العام للإخوان، وارتبطت الفكرة بزيارة من حسن البنا لصدقى باشا فى منزله، وبعدها أسرع صدقى باستدعاء وكيل وزارة الداخلية، العزبى باشا، صديق الإخوان، ليصدر الشروط العشرة فى فبراير 1934. فى هذه الفترة كان الإمام الأكبر، فضيلة الشيخ محمد الأحمد الظواهرى، أول شيخ ظهر من القبائل العربية، وكان ضد ضم المؤسسات التعليمية بالأزهر إلى وزارة المعارف، ووفق ما نشر فى مجلة «نور الإسلام» أن فضيلته وافق على الشروط العشرة لبناء الكنائس، ولم يعارض البابا يؤانس تلك الشروط، بل صار أول بابا يرأس المجمع المقدس والمجلس الملى، وأسقط لائحة البطريرك التى أعدها المجلس الملى بمساندة الوفد، رغم اعتراضات المجلس الملى العام، وطلب تعديلات لم يلتفت إليها أحد، لأن البطريرك كان قد أسرع ووافق حتى دون العودة للمجمع المقدس.. وهكذا أخفى مؤرخو ما يسمى العصر الليبرالى والكنسى ذلك التاريخ الذى أورثنا «الذمية» كرؤية وقانون، ومأزق يصعب الفكاك منه، أقول قولى هذا وأستغفر الله للبابا والملك والداخلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة