أن تظل فى مكانك دون حراك، بينما العالم يتطور حولك، فهذا يعنى أنك تخلفت عن الركب العالمى، لكن ما بالنا بمن يتقهقر عن مكانه ويفقد جميع مميزاته وسط عالم ينمى قدراته كل يوم، ويضاعف من إمكانياته كل يوم، ويشترى «التقدم» بأى ثمن؟
نعم، نحن متخلفون، تخلفنا مرة حينما وقفنا فى مكاننا ولم نتحرك، وتخلفنا مرات حينما تقهقرنا عن مكانتنا، ولم نحتفظ حتى بهيئة «عزيز قوم زل».
نعم، نحن متخلفون، وهذا شىء نعلمه تماماً، ظللنا ننحدر وننحدر وننحدر حتى صارت أقصى أمانينا أن نسد احتياجاتنا الأولية فحسب، نسرق من أجل الطعام والشراب، نرتشى من أجل «مصاريف المدارس» نتحرش بالسيدات ونعتدى على الفتيات من أجل سد احتياجاتنا الجنسية، نفعل كل الموبقات من دون وخز من ضمير، فصار الجميع جانيًا والجميع مجنيًا عليه، الجميع سارق والجميع مسروق، ليغرق البشر فى اليأس والقيم فى التبديد، والوطن فى بحر من نزيف.
تتكاثر العورات، وليس لدينا الكفاية من «أشجار التوت» لنستر بأوراقها ما انكشف، وأنت حزين لأنك تقرأ هذا الكلام، وأنا أيضًا حزين لأنى أكتب هذا الكلام، وأنا وأنت نعرف تمامًا أن الحزن صار صناعتنا الوطنية التى لا ينازعنا عليها أحد، وحزننا مكسو بغصة، والغصة نابعة من النكران، حتى كأننى أسمع صوت عظام نجيب محفوظ تصرخ فى قبرها، ماذا تريدون منى أكثر مما فعلت ليصبح اسمى محفورًا فى وجدان المصريين؟
حتى الآن، وبعد مرور عشر سنوات على وفاته، لا يوجد جائزة وطنية باسمه، لا يوجد متحف يخلد ذكراه، لا يوجد إنتاج سينيمائى جديد لأفلامه، لا يوجد فيلم يتناول قصة حياته، لا يوجد محطة مترو تحمل اسمه، لا يوجد مركز ثقافى واحد يكرمه، ألمانيا تملأ العالم مراكز ثقافية باسم أديبها «جوته»، وبريطانيا فى احتفالها بشكسبير كست شوارعها بشخصياته ومسرحياته، ونحن بعد عشر سنوات من وفاة نجيب محفوظ فشلنا فى افتتاح متحفه، لتتحكم حفنة من الموظفين العميان فى أعظم مستنيرى مصر، وتتبدد قيمة النجاح بين الناس فلا فرق بين من اجتهد ومن فشل، لا فرق بين من ثابر ومن يأس، لا فرق بين من وصل إلى أعلى عليين ومن هبط إلى أسفل سافلين، فهل عرفت: لماذا نحن متخلفون؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة