لا يعرف الكثيرون معنى «السجن» خاصة أن الدراما المصرية وحتى العالمية أفسدت الصورة الحقيقية للسجون وحولتها فى بعض الأحيان لمجرد رحلة يقضيها البعض فى مكان منعزل هادئ قبل أن تنتهى سنوات حكمهم ويخرجون، يقف الواحد منهم أمام باب السجن ويبتسم ثم يلقى سيجارته ويدخل فى معترك الحياة مرة أخرى، لكن الحقيقة أن الموضوع أكثر تعقيدا من ذلك، فالسجون مأساة لا يعرفها إلا من ذاق مرارتها، أقول هذا الكلام بمناسبة رفض الاستشكال الثانى الذى تقدم به الروائى أحمد ناجى للخروج من السجن حتى موعد الطعن الذى تقدم به ضد الحكم بسجنه عامين بتهمة خدش الحياء العام بسبب نشره فصلا من روايته «استخدام الحياة» فى جريدة أخبار الأدب.
بالطبع لن نمل الحديث عن أحمد ناجى وأزمته، سنظل نقول رأينا كلما عرضت قضيته للرأى العام، نحن ضد سجن الكتاب أو المفكرين، من حق الجميع الاتفاق أو الاختلاف مع الكتابة لكن بشرط ألا يتجاوز هذا الرفض «متن المكتوب»، والكتاب لم يخرجوا حاملين أسلحتهم ليقطعوا الطريق ويقتلوا الناس فى الشوارع، هم قالوا «كلمة» وليكن الرد بـ«كلمة».
سوف تلقى أزمة أحمد ناجى بظلالها على كل شىء وتكشف خبايا كثيرة داخل نفوسنا، فنحن لدينا أزمة كبرى فى «القراءة» ودور النشر تشكو الأمرين بسبب كساد الكتب، وأصبحت ثقافتنا سمعية وبصرية، ولم يعد الكثيرون يملكون الطاقة والجهد اللازمين لقراءة كتاب والصبر على أفكاره، للأسف أصبحنا كذلك، بدليل أن رواية أحمد ناجى لم تثر أى مشكلة حتى تم نشر فصل منها فى صحيفة أخبار الأدب، وأكاد أقسم أن المحضر الذى قدم ضد «استخدام الحياة» وصاحبها هو المحضر الوحيد، ولو لم يفكر فيه صاحبه ويتقدم به، ما كان لشخص آخر أن يتقدم.
وقلة القراءة هذه ليست أمرا هينا، كما يرى البعض، فأثرها مدمر لأنها تسقطت الخيال من المعادلة وتجعل الناس بسبب الأزمات التى يعيشونها يخلطون بين والواقع والعالم الافتراضى، ولا يستطيعون أن يفرقوا بين الكلام القابل للتحقق والكلام الذى لا علاقة له بالمنطق.
أحمد ناجى ضحية الجميع وأولهم المثقفون الذى انقسموا حوله، وضحية أيضا للثورة التكنولوجية المجنونة التى جعلت الجميع يدلى بدلوه ضده، وضحية المجتمع الذى يرى أن القراءة مضيعة للوقت وللمستقبل، وستعانى الكتابة كثيرا من جراء بقاء أحمد ناجى فى السجن، سيخشى الجميع من «الحرية» فى الكتابة أو الكلام أو الاقتراب من «الخطوط الحمراء» التى تتسع دائرتها ولن يحدها حد بعد ذلك.