نقلا عن العدد اليومى...
على مدار 6 حلقات متواصلة نشرت «اليوم السابع» ملفا يتعلق بأهم القضايا والمشكلات التى تواجه الصناعة المحلية، وكيف يمكن النهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكيف يتحقق الدعم الحقيقى للصناعة لمواجهة المستورد والخروج من الأزمة الاقتصادية، وفى هذه الحلقة نلتقى رجل الصناعة والنائب البرلمانى محمد المرشدى، رئيس جمعية مستثمرى العبور، ورئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، ووكيل لجنة الصناعات الصغيرة والمتوسطة لمجلس النواب.
كيف تصف مشاكل الصناعة المصرية فى الوقت الحالى؟
لا أحد ينكر أن لدينا أزمة اقتصادية شديدة، ولدينا نقص كبير فى الموارد الدولارية ولدينا صناعة من المفترض أن تكون رائدة لأنه لن يحل مشاكل مصر إلا الصناعة المصرية، باعتبارها خيارا استراتيجيا وهدفا قوميا للحكومة، فإذا لم يكن لدينا قناعة بهذا المفهوم فلن تقوم قائمة للاقتصاد المصرى أيا كانت الأسباب.
جميع الحكومات تتحدث عن أهمية دعم الصناعة.. هل ترى أن حكومة شريف إسماعيل الحالية لديها قناعة حقيقية بأن تجعل الصناعة المحلية هدفا قوميا وخيارا استراتيجيا؟
حتى الآن أسمع ذلك وبحماس من رئيس الحكومة والوزراء، لكن لم أرَ القوانين والقرارات الفعلية التى تحقق وتترجم الوعود التى تلقيناها وسمعناها من السادة المسؤولين والوزراء، على الرغم من أنه لا يوجد بديل سوى الاعتماد على الصناعة المصرية لتحقيق الهدف من زيادة الإنتاج وتقليل الواردات فى ظل نقص الدولار، ورفع معدلات التنمية مع زيادة الضرائب والرسوم وتوفير فرص عمل للشباب العاطل حاليا، وأوجه حديثى للمواطنين: «استخدام المنتج المصرى ليس رفاهية ولا حبا فى الذات وإنما حبا فى الوطن».
ما القوانين والقرارات التى يحتاجها القطاع الصناعى فى الوقت الراهن؟
عندما تعترف الحكومة أن هناك تهريبا، والسادة الوزراء يعترفون بذلك يجب اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الظاهرة التى أضرت الصناعة المصرية بشدة. وإذا تحققت الإرادة للحكومة المصرية ستحل الكثير من مشاكل الاقتصاد المصرى التى ليست من فعل الحكومة الحالية وإنما ورثناها من الحكومات السابقة، ولكن أنا بحكم موقعى كنائب فى البرلمان أقول، إن الحكومة مسؤولة دستوريا عن حل المشاكل القائمة، لا أستطيع أن أخلى مسؤوليتها لأنها المسؤولة تنفيذيا عن إدارة شؤون البلاد، ولا أعفيها من دورها فى حل المشاكل التى تواجه الصناعة.
ما هى أخطر أزمة تواجه الصناعة حالياً؟
عدم الجرأة فى اتخاذ القرار، والمسؤول عن ذلك الحكومة لأنها التى تسن القوانين وتطبقها وهى التى تدير شؤون البلاد، وهى من تحاسب الفاسدين، وإذا تأخرت فى ذلك فهى لا تتخذ الخطوة الجريئة فى محاربة الفساد.
هل هذه الأزمة كما تصفها أخطر من مشكلة الدولار على الصناعة فى الوقت الراهن؟
نعم، لأنه لو لدىّ القرار والجرأة فى المواجهة سأعالج الخلل وأحقق الإصلاح، للأسف الشديد عندما أجد الفواكه المستوردة منتشرة فى الأسواق، فهذا يعنى وجود خلل فى اتخاذ القرار، لأنه يخلق ثقافة لدى المستهلك العادى لاستهلاك الأجنبى، وعندما أجد استيراد السلع الاستهلاكية يتعدى 48 مليار دولار العام الماضى يجب ان أتساءل: أين دور الحكومة فى ترشيد الاستهلاك وتخفيف الضغط على الدولار الذى تحتاجه الصناعة لتوفير الخامات ومستلزمات الإنتاج. نحن فى حاجة لحكومة تردع الوضع المتردى بسبب الاستيراد من الخارج، «لإننا مش لاقيين اللى يوقفنا عند حدنا».
هل ترى أن قرارات رفع التعريفة الجمركية على حوالى 600 سلعة والقيود الاستيرادية التى فرضتها وزارة الصناعة والتجارة العام الجارى لم تؤت ثمارها فى ترشيد الاستيراد من الخارج؟
هذه قرارات غير كافية، لابد من حزمة إجراءات قوية دفعة واحدة، و ليس مجرد صدور قرار كل فترة و أترك 10 قرارات مطلوبين، مع العلم أن هناك أصحاب مصالح من التهريب والاستيراد غير الشرعى بل والشرعى لا يهمهم أن يكون الدولار بأى رقم ولا يهمهم استقرر الوطن والحفاظ على دخل المواطنين، وما يهمهم فقط هو الحفاظ على المكاسب الشخصية وزيادة ثرواتهم، وهذا معروف تماما لدى الحكومة.
ما هى حزمة القرارات التى ترى ضرورة صدورها مجتمعة؟
إجراءات تؤدى لتقليل الضغط على العملة، لأنها فى النهاية عملية عرض وطلب، لو تم تشجيع الصناعة وطرح منتجاتها فى السوق أيا كانت الجودة لأن استهلاك المنتج المحلى لم يصبح رفاهية، خاصة أن هناك متربصين بالإصلاح، عند الحديث عن الصناعة والمنتج المحلى نجد من يدافع عن الاستيراد، ويجب أن تتخذ الدولة ضدهم إجراءات رادعة وشديدة.
هل الصناعة المصرية مؤهلة للإنتاج من الأساس فى ظل المشاكل التى تعانى منها؟
وجود مشاكل تعرقل الصناعة أمر حقيقى، وكما قلت من قبل الحل وجود إرادة حقيقية لدى الحكومة لحل المشاكل، وأن يكون المناخ جاذبا للاستثمار، فحتى الآن المناخ الحالى طارد للاستثمار والإنتاج، ونحن كقيادات صناعة وأعضاء مجلس نواب لن نسكت حتى حل الحكومة لمشاكل الصناعة الوطنية. ولكن جزءا من المسؤولية يجب أن يتحمله البرلمان باعتباره المشرع.. لماذا لا يبادر مجلس النواب باقتراح القوانين التى ترى ضرورة صدورها لدعم الصناعة المحلية؟
أى تشريع ستقترحه الحكومة لصالح الصناعة الوطنية، لن نتردد للوقوف بكل قوة مع زملائنا النواب لإقراره، لكن قبل ذلك هناك قرارات وإجراءات لا تحتاج تشريعات وفى أيدى الوزراء، ولكن لم يتم استخدامها حتى الآن، على سبيل المثال لدينا أنظمة استيراد، الاستيراد القطعى العادى يدفع عليه الجمارك وضريبة المبيعات، والاستيراد بنظام السماح المؤقت والمقصود به استيراد مستلزمات الإنتاج بغرض تصنيعها وإعادة تصديرها، والنظام الثالث الاستيراد بنظام المناطق الحرة الخاصة والعامة، وهى أحد أسباب زيادة معدلات التهريب الذى يؤثر سلبا على الصناعة لأنه يسرق حصة المنتج المحلى فى السوق من خلال السلع والبضائع المهربة والتى تباع بسعر بخس لأنها لم تتحمل أى رسوم أو ضرائب.
تخصيص الأراضى الصناعية مشكلة تواجه رجال الأعمال فى كل المدن الصناعية ولكن الحكومة تعلن عن توافرها.. ما موقف الأراضى الصناعية بمدينة العبور التى تشغل رئاسة جمعية مستثمريها؟
مدينة العبور للأسف الشديد لم يراع فيها خطة التوسع فى الأراضى الصناعية، فهيئة المجتمعات العمرانية خططت المناطق الصناعية من 15 سنة، ولم تتوسع فى إتاحة أراضى صناعية فى مدينة العبور، فنحن لدينا 1700 مصنع تم تخصيص أراضٍ لها، ولا يوجد أراضٍ متاحة فى هيئة التنمية الصناعية يمكن حجزها فى العبور لإقامة توسعات أو لإنشاء مصانع جديدة. «وزير الإسكان الحالى شايل التوسع فى المناطق الصناعية فى العبور من دماغه مش عارف ليه»، طرحنا عليه هذا الأمر فكان رده أنه لن يتم التوسع فى مناطق صناعية فى العبور، وهو أمر مثير للاندهاش فى ظل احتلالها للمرتبة الأولى من حيث طلبات الاستثمار بما لها من موقع جغرافى استراتيجى فى قلب الطرق الرئيسية من وإلى الكتل السكنية والموانئ البحرية المختلفة.
وزير الصناعة أعلن، مؤخرا، عن طرح مليون فدان للاستثمار الصناعى فى مدينة بدر بنظام المطور الصناعى.. كيف تقيم دور هذا النظام فى توفير الأراضى للمصانع؟
أختلف شكلا وموضوعا فى موضوع المطور العقارى، ولا أدرى لماذا يسيطر الفكر الاستثمارى على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة المدن العمرانية دون الفكر التنموى.
المطور الصناعى هو مستثمر هدفه تحقيق ربح، وهو نظام جعلت الحكومة من خلاله التاجر يشترى الأراضى من المجتمعات العمرانية ويطورها، ويدخل المرافق والبنية الأساسية ويبيعها للمستثمرين بأسعار مرتفعة. ولكن فى السابق عندما كانت تباع الأراضى بأسعار منخفضة استغل عدد من رجال الأعمال غير الجادين هذا الأمر بتسقيع الأراضى وبيعها بأسعار مرتفعة لمستثمرين آخرين، واتهمت الحكومة بالتفريط فى أراضى الدولة بأسعار بخسة.
هنا نرجع لنظرية العرض والطلب، الندرة تخلق ارتفاع السعر والأكثر قدرة ماليا هو من يشترى ونتيجة للمضاربة تباع الأرض بأكثر من قيمتها، أى أن عدم وجود الأراضى هو ما يرفع السعر بصورة مبالغ فيها نتيجة المضاربة. وأنا أتذكر عندما كان محمد إبراهيم سليمان يشغل منصب وزير الإسكان، كانت سياسته عند ارتفاع الأسعار هو طرح أراضٍ جديدة لضرب تجار الأراضى، وكان ناجحا فى ذلك، ورغم عدم وجود أى علاقة لى به لكن ما فعله أسهم فى تخفيض أسعار الأراضى، عندما يصل متر الأرض الصناعية فى القاهرة الجديدة إلى 10 آلاف جنيها للمتر «عايزة إيه تانى؟».
فى أكثر من لقاء لنا مع مستثمرين وأصحاب مصانع أكدوا أنهم حصلوا على الأراضى الصناعية من تجار أو مهنيين.. فكيف تخصص الأراضى الصناعية للتجار فى حين أنها موجهة فى الأساس للمصنعين؟
سأروى لك واقعة، العام الماضى تم سحب 16 قطعة من المصانع التى لم تقم بالتنفيذ فى مدينة العبور، وتم طرحها للبيع بنظام القرعة، والنتيجة أن كل القطع خصصت لصالح تجار أراضٍ، وفى المقابل أى مصنع قائم بالفعل يرغب فى التوسع بالمدينة عندما يطلب أرضا جديدة يمكنه الحصول على أرض فى مكان آخر فى بدر مثلا أو بنى سويف، وهذا غير منطقى فكان من الأجدى أن يكون للمصانع القائمة أولوية فى الحصول على الأراضى التى تم إعادة طرحها بالقرعة، وعندما نطالب بذلك يرد جهاز المدينة بأنه لا يمكن تنفيذ ذلك من أجل الشفافية، أليست هذه الشفافية هى ما جعلت المستثمرين العقاريين يتاجرون على حساب الصناعيين؟!
كيف ترى دور البرلمان باعتبارك أحد أعضائه فى دعم الصناعة الوطنية؟
دور البرلمان محدد طبقا للدستور فى الرقابة والتشريع، يراقب أجهزة الدولة ويشرع لصالح الدولة والمجتمع.
أنت ترى أن الحكومة ليس لديها جرأة اتخاذ القرارات فيما يتعلق بهذا الملف حتى الآن.. فكيف يحاسبها البرلمان على ذلك؟
سبق أن قلت، إن ما أسمعه أنهم مهتمون بالصناعة لكن حتى الآن لم تتخذ القرارات اللازمة لحماية الصناعة الوطنية من الفاسدين، وعند الحديث عن تقييم أداء البرلمان لابد أن نضع فى الاعتبار أن كل فترة العمل الفعلية 4 أشهر فقط.
باعتبارك وكيلا للجنة الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب لماذا لم تنجح كل المبادرات الحكومية فى إحداث نقلة حقيقية وحل مشاكل هذه المشروعات؟
أتفق معك تماما فى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر تعانى من مشاكل حقيقية، ولدى الأجهزة الشعبية والتنفيذية قناعة تامة بأهمية هذه المشروعات، ولكن دم المشروعات الصغيرة مهدر بين الهيئات والوزارات، ولأول مرة جعل دستور 2014 المشروعات المتوسطة والصغيرة جزءا مهما من مكونات الاقتصاد، ولأول مرة فى تاريخ البرلمان المصرى يتم إنشاء لجنة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فنحن الآن نجمع أشلاءها على مستوى كل الأجهزة والوزارات والهيئات.
فى البرلمان نلتقى بكل المسؤولين حتى نسمع رؤاهم بشأن المشروعات المتوسطة والصغيرة، وزارة الصناعة والبنك المركزى ووزارة التنمية المحلية والبنوك، للتعرف على أسلوب ضخ الأموال فيها بناء على مبادرة الرئيس السيسى لتوفير 200 مليار جنيها للمشروعات المتوسطة والصغيرة، فهى فى النهاية أموال مودعين، والبنوك حريصة على استردادها وتضع ضمانات حتى تكون ميسرة بالنسبة للشاب.
هل هناك رؤية واضحة وموحدة لدى الحكومة حول المشروعات الصغيرة والمتوسطة أم كل جهة تعمل فى جزيرة منعزلة؟
حتى الآن نحن نحاول أن نكون رؤية واضحة ومتكاملة، مازلنا نبحث واللجنة جديدة منشأة فى شهر أبريل، نستدعى كل المسؤولين للإعلان عن خططهم ورؤاهم حتى نعرف هل نحن بحاجة إلى تشريعات أم مجلس أعلى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أم وزارة للمشروعات الصغيرة بحيث يتحقق الهدف منها.
طرح المجلس الاستشارى الاقتصادى برئاسة الجمهورية رؤية لعمل تشريع بإنشاء هيئة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تتبع رئاسة الوزراء حتى تتم الاستفادة من مبادرة الـ200 مليار جنيه.. هل تلقيتم مثل هذا المقترح بالبرلمان؟
قد يكون إعلانا أو اجتهادا، لكن حتى الآن لم يأت للجنة أى شىء من أى وزارة أو جهة بإنشاء هيئة موحدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
الحكومة عقدت اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 12 مليار دولار بموجب البرنامج الاقتصادى الذى وافق عليه البرلمان فى أبريل الماضى.. هل موافقة المجلس على البرنامج تعد موافقة ضمنية باللجوء لصندوق النقد؟
لم يذكر فى موازنة الدولة قرض من صندوق النقد الدولى، والبرلمان وافق على موازنة الدولة «عشان محدش يقول إن الحكومة كانت واخدة تفويض من مجلس النواب للحصول على هذا القرض». فهو أحد السبل لسد العجز، والحكومة لها الحق فى اتخاذ الإجراءات لسد العجز بالموازنة.
وعلى كل الأحوال الاتفاق مع صندوق النقد لن يسرى إلا بعد موافقة البرلمان عليه، والحكومة عليها تقديم الاتفاقية بتفاصيلها بالبرامج التى ستستخدم من أجلها الأموال للبرلمان المصرى، وهذا إجراء عادى.
هل تؤيد اللجوء للاقتراض من صندوق النقد؟
هو وسيلة لسد العجز كما قلت، والحكومة ليس أمامها سوى خيارين الأول المزيد من الضرائب ومزيد من الأعباء على المواطنين، والثانى الاقتراض من الصندوق حتى يتمكن الاقتصاد من خلق موارده الذاتية من خلال التنمية الصناعية والاقتصادية.
البعض يرى أن الحصول على القرض نفسه سيفرض أعباء على المواطنين من خلال الإجراءات التى تعتزم الحكومة القيام بها بموجب الاتفاق مثل تخفيض الدعم وتحريك سعر الصرف؟
أرى أنه حتى الآن لم يتم اتخاذ قرارات تحديدا من أجل القرض، ولكن القرارات التى اتخذت تمت من قبل اللجوء للصندوق مثل قانون ضريبة القيمة المضافة، كلها إجراءات إصلاح مصرى داخلى، لكن الحديث عن تفاصيل قرض الصندوق لا يمكن لأننى لم أطلع كنائب على تفاصيل الاتفاق الذى تم توقيعه مع الصندوق.
هل يمكن أن يرفض البرلمان الاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد؟
البرلمان له الحق فى الموافقة أو الرفض دستوريا، لكن لابد ألا يكون قرار البرلمان من منطلق العواطف، وإنما من منطلق الحفاظ على كيان الدولة المصرية، نحن لسنا فى صراع مع الحكومة أو نبحث عن إسقاط الحكومة لكننا نبحث عن تدعيم الدولة المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة